الإسلام ، كتب إلى ملك الروم كتابا ، وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام ، وكتب (١) إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام ، وبعثه إليه مع رسوله (٢) ، فأما ملك الروم ، فعظم كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأكرم رسوله ، وأما ملك فارس ، فإنه استخف بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومزقه (٣) واستخف برسوله ، وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم ، وكان المسلمون يهوون (٤) أن يغلب ملك الروم ملك (٥) فارس ، وكانوا لناحيته أرجى منهم لملك فارس ، فلما غلب ملك فارس ملك الروم ، كره ذلك المسلمون (٦) واغتموا به ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ بذلك كتابا (٧) قرآنا (٨) (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)
__________________
(١) في «بح» : «فكتب».
(٢) في «بح ، بف ، جت» : «رسول».
(٣) التمزيق : التخريق والتقطيع. النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٢٥ (مزق).
(٤) «يهوون» أي يحبون ؛ من الهوى ، وهو مصدر هويته ، من باب تعب : إذا أحببته وعلقت به ، ثم اطلق على ميل النفس وانحرافها نحو الشيء ، ثم استعمل في ميل مذموم. راجع : المصباح المنير ، ص ٦٤٣ (هوي).
(٥) في «ع ، م ، ن ، بح» وحاشية «جت» : «لملك».
(٦) في «بن» : «المسلمون ذلك».
(٧) في «م» : ـ «كتابا».
(٨) في «بف» : ـ «قرآنا». وفي المرآة : «قوله عليهالسلام : قرآنا ، إما صفة للكتاب ، أي كتابا مقروا ، أو بدل منه ليظهر منه أن المراد بعض الكتاب».
وقال المحقق الشعراني في هامش شرح المازندراني : «لم يختلف أهل العلم في أن نزول سورة الروم والإخبار عما سيقع من غلبتهم على فارس كان بمكة قبل الهجرة ، وهذا دليل ضعف الخبر وإن كان بحسب الإسناد صحيحا ، وعلى أن الإسناد الصحيح باصطلاح الرواة أيضا لاينافي كذب المضمون ، وأما الداعي على استعجاب الراوي والتكلف لتأويل آية القرآن عن معناه الصحيح استنكار ذكر الله تعالى الروم ونصره ـ تعالى ـ إياهم وتعبيره عنهم وعن تأييدهم بما يدل على رضاه عنهم وترجيحهم على فارس مع كونهم كفارا ، وهذا نظير ما يرى الشيعي من بعض مصنفيهم يذكرون محاسن أفعال بعض الخلفاء ، كرغبة المأمون في العلم ، وترويج الهادي للدين وقمعه الملاحدة وأمثال ذلك ، فيحملهم ذلك على أن ناقل هذه المطالب لم يكن من الشيعة ، كما يقال : إن المسعودي صاحب مروج الذهب لم يكن شيعيا ؛ لأنه ينقل عن الخلفاء بدون ذكر اللعن ، ويذكر محاسن أفعالهم دون مساويهم ، ولو كان شيعيا اقتصر على المساوي ، وهكذا غلبة الروم بنصر الله بعبارة يدل على رضا الله بفعلهم كان منكرا عند الراوي ، فطلب المخلص وحمله على غلبة المسلمين على فارس ، لا على غلبة الروم ؛ ليسكن هيجان قلبه ، وإلا فلايتلائم هذا التأويل مع ظاهر القرآن وصريحه ، بل يلزم كذبه ، أو غلطه في استعمال اللغة ـ نعوذ بالله ـ ولا يوافق ما تواتر من وقائع عصره».