__________________
لا يقدر قدره ، ولا يبلغ كنهه أحد ، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى الله منها ولم ينزع عليها (عنها ـ خ ل).
وعليكم بالدعاء ؛ فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه ، والتضرع إلى الله ، والمسألة له ، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه ، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله.
وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم ؛ فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا ، حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها ، ويل لاولئك ما أخيب حظهم ، وأخسر كرتهم ، وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة ، استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا ، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوة لنا ولكم إلابه.
فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية ، إن أتم الله لكم ما أعطاكم فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم ، وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا ، فتصبروا وتعركوا بجنوبكم ، وحتى يستذلوكم ويبغضوكم ، وحتى يحملوا عليكم الضيم ، فتحتملوه منهم ، تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة ، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله يجترمونه إليكم ، وحتى يكذبوكم بالحق ، ويعادوكم فيه ، ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم.
ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل على نبيكم صلىاللهعليهوآله سمعتم قول الله ـ تعالى ـ لنبيكم صلىاللهعليهوآله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) [الأحقاف (٤٦) : ٣٥] ثم قال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر (٣٥) : ٤] ، (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) [الأنعام (٦) : ٣٤] فقد كذب نبي الله والرسل من قبله ، واوذوا مع التكذيب بالحق ، فإن سركم أن تكونوا مع نبي الله صلىاللهعليهوآله والرسل من قبله ، فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم.
وإياكم ومماظة أهل الباطل ، وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته ؛ فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم ، واعلموا أن الله ـ تعالى ـ إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق ، وعقد قلبه عليه ، فعمل به ، فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه ، وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا ، وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه ، وكان صدره ضيقا حرجا ، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال ، كان عند الله من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه