أيها الناس ، إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار ، إنما أنتم فيها كركب عرسوا (١) فأناخوا (٢) ، ثم استقلوا (٣) فغدوا (٤) وراحوا (٥) ، دخلوا (٦) خفافا (٧) ، وراحوا خفافا (٨) ، لم يجدوا عن مضي (٩) نزوعا (١٠) ، ولا إلى ما تركوا رجوعا ، جد بهم فجدوا (١١) ، وركنوا إلى الدنيا فما
__________________
(١) التعريس : نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٠٦ (عرس).
(٢) «فأناخوا» أي لزموا وأقاموا ؛ من النوخة ، وهي الإقامة. ويقال : أناخ الإبل فاستناخت ، أي أبركها فبركت ، وهو أن تلصق صدرها بالأرض ، يقال : برك البعير ، أي ألقى بركه بالأرض ، وهو صدره. راجع : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٣٩٦ (برك) ، وج ٣ ، ص ٦٥ ؛ تاج العروس ، ج ٤ ، ص ٣٢٢ (نوخ).
(٣) يقال : استقل القوم ، أي مضوا وذهبوا وارتحلوا ، واستقل الشيء ، أي حمله ورفعه. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٠٤ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣٨٦ (قلل).
(٤) في «ع» : «وغدوا».
(٥) «فغدوا» من الغدو ، وهو سير أول النهار ، نقيض الرواح ؛ قاله ابن الأثير. وقال الفيومي : «راح يروح رواحا ، وتروح مثله يكون بمعنى الغدو وبمعنى الرجوع ، وقد طابق بينهما في قوله تعالى : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) [سبأ (٣٤) : ١٢] ، أي ذهابها ورجوعها. وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلافي آخر النهار ، وليس كذلك ، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار ، قاله الأزهري وغيره». راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٤٦ (غدا) ؛ المصباح المنير ، ص ٢٤٢ (روح).
(٦) في «ن ، جت ، جد» : «ودخلوا». وفي حاشية «جت» : «وخلوا».
(٧) في «ع ، بف» : «جفافا». وفي شرح المازندراني : «الخفاف : ضد الثقال ، وضمير الجمع للركب ، أي دخلوا في الدنيا خفافا من متاعها ، وراحوا منها إلى الآخرة خفافا منه». وفي المرآة : «قوله عليهالسلام : دخلوا خفافا ، هو جمع خفيف ، أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا بلا زاد ولا مال ، وراحوا عند الموت كذلك. ويحتمل أن يكون كناية عن الإسراع».
(٨) في «ع ، بف» : «جفافا».
(٩) في «جد» : «ما مضى» بدل «عن مضي».
(١٠) «لم يجدوا عن مضي نزوعا» أي لم يقدروا على الكف والإباء عن المضي ، يقال : نزع عن الشيء نزوعا ، أي كف ، وأقلع عنه ، وانتهى عنه ، وأباه. راجع : المصباح المنير ، ص ٦٠٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٢٥ (نزع).
(١١) الجد ، بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، وضد الهزل ، والعجلة. قال العلامة المازندراني : «الجد : بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، والهزل ، وفعله من بابي ضرب وقتل ، أي جد المضي والذهاب من الدنيا بهم فجدوا فيهما اضطرارا». وقال العلامة المجلسي : «قوله عليهالسلام : جدبهم فجدوا ، أي حثوهم على الإسراع في السير ، فأسرعوا. وفيه استعارة تمثيلية ، شبه سرعة زوال القوى وتسبب أسباب الموت وكثرة ما يوجب الزوال من الأسباب