يا موسى ، سلني من فضلي ورحمتي ، فإنهما بيدي ، لايملكهما (١) أحد غيري ، وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي ، لكل عامل جزاء ، وقد يجزى الكفور بما سعى.
يا موسى ، طب نفسا عن الدنيا ، وانطو عنها (٢) ؛ فإنها ليست لك ، ولست لها ، ما لك ولدار الظالمين إلا لعامل (٣) فيها بالخير ، فإنها له نعم الدار.
يا موسى ، ما آمرك به فاسمع ، ومهما أراه فاصنع ، خذ حقائق التوراة إلى صدرك ، وتيقظ (٤) بها في ساعات الليل والنهار ، ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك ، فيجعلونه وكرا كوكر الطير.
يا موسى ، أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض ، فكل مزين له ما هو فيه ، والمؤمن من (٥) زينت له الآخرة ، فهو ينظر إليها ما يفتر (٦) ، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش (٧) ، فأدلجته (٨) بالأسحار كفعل الراكب السائق (٩) إلى غايته ، يظل كئيبا (١٠) ،
__________________
المفعول».
(١) في «ن» : «ولا يملكهما».
(٢) في المرآة : «الانطواء عنها : الاجتناب والإعراض عنها ، يقال : طوى كشحه عني ، أي أعرض مهاجرا». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٧١٥ (طوي).
(٣) في «بح ، بف» والبحار : «العامل».
(٤) في حاشية «بح» : «واتعظ».
(٥) في «بف» وتحف العقول : ـ «من».
(٦) في «ن» : «لا يفتر». وكلمه «ما» نافية ، والفتور : الضعف ، والانكسار ، والسكون بعد الحدة ، واللين بعد الشدة. راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٣٣ (فتر).
(٧) «شهوتها» أي شهوة الآخرة ، و «لذة العيش» أي عيش الدنيا.
(٨) في شرح المازندراني : «الإدلاج بتخفيف الدال : السير في أول الليل ، وبالتشديد : السير في آخره ، ولعل التعدية باعتبار تضمين معنى التصيير ، أي صيرته شهوة الآخرة مدلجا سائرا في آخر الليل مشتغلا بالعبادة ؛ لعلمه بأن تلك الشهوة لاتنال إلابه». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٢٩٥ (دلج).
(٩) في «بح ، جت» : «السابق».
(١٠) «الكئيب» ، من الكآبة بمعنى سوء الحال وتغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. راجع : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٦٩٤ (كأب).