(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (١) واستاءَ هو اسْتَهَمَّ (٢) وفي حديث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أَن رجلاً قصَّ عليهِ رُؤيا فاستاءَ لها ثم قال : «خِلافَةُ نُبُوّةٍ (٣) ثم يُؤْتي اللهُ المُلكَ مَنْ يَشاء» قال أَبو عبيدٍ : أَراد أَن الرؤْيَا ساءَتْه فاستاءَ لها ، افتعلَ من المَسَاءَة ، ويقال : استاءَ فلانٌ بمكاني ، أَي ساءَهُ ذلك ، ويروى : «فاستآ لَها (٤)» أَي طلب تَأْوِيلَها بالنَّظرِ والتأَمَّلِ ، والسُّوءُ ، بالضم ، الاسْمُ منه وقوله عز جل : (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) (٥) قيل : معناه ما بي من جُنونِ ، لأَنهم نَسبوا النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إِلى الجُنون ، والسُّوءُ أَيضاً بمعنى الفُجور والمُنكر ، وقولهم : لا أُنْكِرُك من سُوءٍ ، أَي لم يكن إِنكاري إِيَّاك من سُوءٍ رأَيتُه بك ، إِنما هو لِقِلَّة المَعرفة ويقال إِن السُّوءَ البَرَصُ ومنه قوله تعالى : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (٦) أَي من غير بَرَصٍ ، قال الليث : أَما السُّوءُ فما ذُكر بِسَيِّىءٍ فهو السُّوءِ ، قال : ويُكْنَى بالسُّوءِ عن اسْمَ البَرَصِ ، قلت : فيكون من باب المجاز.
والسُّوءُ كُلُّ آفَةٍ ومَرضٍ ، أَي اسمٌ جامِعٌ للآفات والأَمراض ، وقوله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) (٧) قال الزجاج : السُّوءُ : خيانَةُ صاحِبَةِ العَزِيز ، والفحشاء : رُكُوب الفاحشة وَيقال : لا خَيْرَ في قَوْلِ السّوءِ بالفتح والضم ، إِذا فتحتَ السين فمعناه لا خَيْرَ في قَوْلٍ قبيح ، وإِذا ضَمَمْتَ السّين فمعناه لا خَيْرَ في أن تَقولَ سُوءاً أَي لا تَقُلْ سُوءًا وقُرِئ قوله تعالى : عَلَيْهِمْ دائِرَةُ (السَّوْءِ) (٨) بِالْوَجْهَيْنِ الفتح والضم ، قال الفراءُ : هو مثل قولك رَجُلُ السَّوْءِ ، والسَّوْءُ بالفتح في القراءَة أَكثَرُ ، وقَلَّما تقولُ العرب دائرة السّوءِ بالفتح (٩) وقال الزجّاج في قوله تعالى : (الظّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (١٠) كانوا ظَنُّوا أَنْ لن يَعُودَ (الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ) ، فجعلَ اللهُ دائرة السَّوْءِ عليهم ، قال : ومن قَرأَ ظَنَّ السُّوءِ ، فهو جائِزٌ ، قال : ولا أَعلم أَحداً قَرَأَ بها إِلَّا أَنَّها قد رُوِيَتْ ، قال الأَزهريُّ : قولُه : لا أَعلم أَحداً إِلى آخره ، وَهَمٌ ، قرأَ ابنُ كَثيرٍ وأَبو عمرٍو : دائرةُ السُّوءِ ، بضمّ السين ممدوداً في سُورة بَراءَة وسُورة الفَتْح ، وقرأَ سائرُ القُرّاءِ «السَّوْءِ» بفتح السين في السُّورتَيْن : قال : وتعجَّبْت أَن يَذْهَب على مِثْلِ الزجَّاج قِراءَةُ القارِئَيْنِ الجليلين ابنِ كثيرٍ وأَبي عمرٍو ، وقال أَبو منصور : أَما قوله : (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) (١١) فلم يُقْرأْ إِلا بالفتح ، قال : ولا يجوز فيه ضَمُّ السِّين ، وقد قرأَ ابنُ كثير وأَبو عمرو دَائِرَةُ السُّوءِ بضم السين ممدوداً في السورتين ، وقرأَ سائر القُرَّاءِ بِالفتح فيهما ، وقال الفرَّاء في سورة براءَة في قوله تعالى : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (١٢) قال : قراءَةَ (١٣) القُرَّاءِ بنصْبِ السَّوْءِ وأراد بالسَّوْءِ المَصْدَرَ ، ومن رَفَع السين جَعلَه اسماً ، قال : ولا يَجوز ضَمُّ السين في قوله : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) (١٤) ولا في قوله : (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) لأَنه ضِدٌّ لقولهم : هذا رَجُلُ صِدْق ، وثَوْبُ صِدْقٍ ، وليس للسَّوْءِ هنا معنًى في بَلاءٍ ولَا عَذابٍ فَيُضَمّ ، وقُرِىءَ قولُه تعالى : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أَي الهَزيمةِ والشَّرِّ والبلاءِ والعذاب والرَّدَى والفَسَاد وكَذَا في قوله تعالى : أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (١٥) بالوجهين أَو أَن المضموم هو الضَّرَرُ وسُوءُ الحال والسَّوْءُ المفتوحُ من المَسَاءَة مثل الفَسَاد والرَّدَى والنَّار ، ومنه قوله تعالى : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساءُوا السُّوءَ (١٦) قيل هي جهنم أَعاذَنا اللهُ منها في قِراءَةٍ أَي عند بعض القُرَّاءِ ، والمشهور السُّواى كما يأْتي ورَجُلُ سَوْءٍ بالفتح ، أَي يَعملُ عمَلَ سَوْءٍ وإِذا عَرَّفْتَه وصَفْتَ [به] (١٧) تقول : هذا رَجُلُ سَوْءِ بالإِضافة وتُدْخِل عليه الأَلف واللام فتقول هذا رَجُلُ السَّوْءِ ، قال الفرزدق :
وكُنْتُ كَذِئْبِ السَّوْءِ لمَّا رَأَى دَماً |
|
بِصَاحِبِهِ يَوْماً أَحَالَ عَلَى الدَّمِ |
__________________
(١) سورة النساء الآية ٦٩.
(٢) اللسان : اهتم.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : قوله «خلافته» والذي في النهاية خلافة نبوة بالإضافة بلا ضمير» وهي كذلك باللسان.
(٤) عن اللسان والنهاية ، وفي الأصل : «فاستاء لها» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(٥) سورة الأعراف الآية ١٨٨.
(٦) سورة طه الآية ٢٢.
(٧) سورة يوسف الآية ٤.
(٨) سورة التوبة ٩٨.
(٩) كذا بالأصل ، وعبارة اللسان : وقلما تقول العرب دائرة السُّوءِ برفع السين ... وهو الصواب وسيرد بعد أسطر ما يثبت ذلك.
(١٠) سورة الفتح الآية ٦.
(١١) سورة الفتح الآية ١٢.
(١٢) سورة التوبة الآية ٩٨.
(١٣) في اللسان : قرأ القراء.
(١٤) سورة مريم الآية ٢٨.
(١٥) سورة الفرقان الآية ٤٠.
(١٦) سورة الروم الآية ١٠.
(١٧) زيادة عن اللسان.