مكة المشرّفة ، فلذا ترى النسخ الزّبِيديّة غالبها محشُوّة بالزيادات الطيبة وغيرها والمكية خالية عنها. وكتابي هذا أَي القاموس بحمد الله [تعالى] (١) مصحوباً أَو ملتبساً ، جاءَ به تبركاً وقياماً ببعض الواجب على نعمة إِتمامه على هذا الوجه الجامع. صَريحُ أَي خالص ومحض. أَلْفَيْ تثنية أَلْف. مُصَنَّف على صيغة المفعول أَي مؤلف في اللغة. مِن الكتبِ الفاخِرَة الجيّدة أَي زيادة على ما ذُكِر من العُباب والمحكم والصحاح من مؤلّفات سائرِ الفنون ، كالفقه والحديث والأُصول والمنطق والبيان والعروض والطب والشعر ومعاجم الرواة والبلدان والأَمصار والقرَى والمياه والجبال والأَمكنة وأَسماء الرجال والقصص والسير ، ومن لغة العجم ، ومن الاصطلاحات وغير ذلك ، ففيه تفخيم لشأْن هذا الكتاب ، وتعظيم لأَمره وسَعَته في الجمع والإِحاطة. وَنتيج (*) بفتح النون وكسر التاء المثناة الفوقية ، هكذا في النسخ التي بأَيدينا ، كأَنه أَراد به النتيجة أَي حاصل وثَمرَة. أَلفَيْ بالتثنية أَيضاً. قَلَمَّسٍ محركة مع تشديد الميم أَراد به البحر من العَيالِم جمع عَيْلَم كصَيْقَل ، هو البحر. الزاخِرة الممتلئة الفائضة ، وفيه إِشارة إِلى أَن تلك الْكتب التي مادّة كتابه منها ليست من المختصرات ، بل كل واحد منها بحر من البحار الزاخرة ، وفي نسخة : سَنِيح بالسين المهملة وكسر النون وفي آخره حاء ، أَي جوهر أَلفي كتاب أَي مختارها وخالصها ، وقد أَورد القرافي هنا كلاماً ، وتكلَّف في بيان بعض النسخ تفقّهاً ، لا نقلاً من كتاب ، ولا سماعاً من ثِقة ، وقد كفانا شيخُنا رحمهالله تعالى مُؤْنَة الردّ عليه ، فراجع الشرح إِن شئت ، وفي الفقرة زيادة على المجاز التزام ما لا يلزم والله العظيم. أسأَلُ لا غيرَه. أَن يُثِيبَني أَي يعطيني. به أَي الكتاب أَي بسببه. جَميلَ الذِّكر في الدُّنيا وهو الثناء بالجميل ، وقد حصل ، قال الله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٢) فسَّره بعضهم بالثناء الحسن ، قال ابن دريد :
وإِنَّما الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ |
|
فَكُنْ حَدِيثاً حَسَناً لِمَنْ وَعَى |
وإِنما رجا شكر العباد لأَنه تقرَّر أَن أَلسِنة الخلْق أَقلام الحق ، ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مَنْ أَثنَيْتُم عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ» وليس المراد به شكر العباد لحظّ نفسه ، ولتكون له مَكانةٌ عندهَم إِذ مثل هذا يطلب الدعاء للتنصُّل منه والتجرّد عنه. وجَزيلَ الأَجْر في الآخِرة هو الفوز بالجنة أَو التنعم بالنظر إلى الوجه الكريم وحصول الرضوان ، وقد حصل الثناء في الدنيا ، كما فاز بطلبه في الآخرة إِن شاءَ الله تعالى ، وفيه الالتزام مع التي قبلها والترصيع في أَغلبها. ضارِعاً متذَلِّلاً. إِلى مَن ينظر أَي يتأمل. مِنْ عَالِمٍ في عَمَلي هذا أَن يَستُرَ. عِثَارِي أَراد به الوقوع في الخطأ. وَزَللِي محرّكة عطف تفسير لما قبله. ويَسُدَّ بالضم أَي يصلح. بِسَدادِ بالفتح أَي استقامة. فَضْلِه خَلَلِي محرّكة ، هو الوهن في الأَمر ، والتفرّق في الرأْي ، وأَمرٌ مختلٌّ أَي ضعيف ، وإِنما خصَّ العالِم ذلك لأَنه الذي يميِّز الزلَل ، ويستر الخلَل ، وأَما الجاهل فلا عِبرة به ولا بنظرِه ، بل ولا نَظر لِبَصرِه ، ولذا قيل : إِن المراد بالنظر هو التفكُّر والتأَمُّل ، لا مطلق الإِمرار ، ولزيادته وكثرته عدَّاه بفي الظرفية ، وصيَّر العمل مظروفاً له ، قاله شيخنا. ثم إِن كلامه هذا خرج مَخرَج الاعتذار عما وقع له في هذا المضمار ، فقد قيل : من صَنَّف فقد استهْدَف نَفْسَه. وقال المؤتمن الساجِي : كان الخطيب يقول : من صَنَّف فقد جعل عَقْلَه على طَبَقٍ يَعرِضُه على الناس. وفيه الجناس المحرَّف بين «مِنْ» الجارة البيانية و «مَنْ» الموصولة المبينة بها ، والمقلوب في عالم وعمل ، والاشتقاق في يسدّ وبسداد ، والتزام ما لا يلزم ، وفي الفقرتين الأَخيرتين الجناس اللاحق والمقابلة المعنوية للستر والعثار ، والزلل والسداد والخلل. وبعد أَن ينظر فيه مع التأَمل والمراجعة عليه أَن. يُصْلِحَ ما طَغَى أَي تجاوز القدْرَ المُرَاد. به القلمُ ونسبته إِليه من المجاز العقليّ ، فالمراد بالإِصلاح إِزالة ما فسد في الكتاب ، بالتنبيه عليه وإظهاره ، مع إِيضاح العذر للمصنف من غير إِظهار شناعةٍ ولا حطٍّ من منصبه ، ولا إزراءٍ بمقامه (٣) وكون الأَولى في ذلك إِصلاح عبارة بغيرها أَو إِبقاء كلام المصنف والتنبيه على ما وقع فيه في الحاشية إِذ لعل الخطأَ في الإِصلاح ، وفي ذلك قيل :
وكَمْ مِنْ عائبٍ قَوْلاً صَحِيحاً |
|
وآفتُه مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ |
__________________
(١) زيادة عن القاموس.
(*) في القاموس : وسَنِيحُ.
(٢) سورة الشعراء الآية ٨٤.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله وكون الأَولى الخ .. هكذا بالنسخة المطبوعة ونسخة قلم أيضاً وهي غير ظاهرة فلتحرر».