الذال والنون والميم
م ن ذ
* مُنْذُ : تَحدِيدُ غايَةٍ زَمانِيَّةٍ ، النُّون فيها أَصْلِيَّةٌ ، رُفِعَتْ على تَوَهُّمِ الغايَةِ. قالَ بَعْضُهم : وأصلها (مِنْ إذْ). وقد تُحْذَفُ النُّون فى لُغَةٍ. ولمّا كَثُرتْ فى الكلامِ طُرِحَتْ هَمْزَتُها ، وجُعِلَت كَلِمةً واحدةً.
* ومُذْ ـ مُحْذُوفٌ منها ـ : تحدِيد غايَةٍ زَمانِيَّةٍ أيضًا.
وقولُه : ما رَأَيْتُه مُذُ اليَوْمِ. حَرَّكُوها لالْتِقاءِ الساكِنَيْنِ ، ولم يَكْسِرُوها ، لكنَّهم ضَمُّوها ؛ لأَنَّ أَصْلَها الضَّمُّ فى « مُنْذُ ».
قالَ ابن جِنِّى : لكنه الأَصْلُ الأَقْرَبُ. أَلا تَرَى أَنَّ أوَّلَ حالِ هذه الذّالِ أن تكونَ ساكنةً ، وأَنّها إِنَّما ضُمَّتْ لالْتِقاءِ السّاكِنَيْنِ إِتباعًا لضَمَّةِ الميمِ ، فهذا على الحَقِيقةِ ـ هو الأَصْلُ الأَوَّلُ.
قال : فأَمّا ضَمُّ ذالِ « مُنْذُ » فإِنّما هُو فى الرُّتْبَةِ بعد سُكُونِها الأَوَّلِ المُقَدَّرِ. ويَدُلُّكَ على أَنَّ حَرَكَتَها إِنَّما هى لالْتِقاءِ الساكِنَيْنِ أَنَّه لما زالَ الْتِقاؤُهُما سَكَنَت الذّالُ ، فضَمُّ الذّالِ إِذَنْ فى قَوْلِهم : « مُذُ اليَوْم ». و « مُذُ اللَّيْلَة » إِنَّما هو رَدٌّ إلى الأَصْلِ الأَقْرَبِ الذى هو « مُنْذُ » ، دُونَ الأَصلِ الأَبْعَدِ المُقَدَّرِ ، الَّذِى هو سُكُون الذّالِ فى « مُنْذ » قبلَ أن تُحَرّكَ فيما بَعْدُ.
وقد اخْتَلَفَت العَرَبُ فى « مذ » و « منذ » : فبَعْضُهُم يَخْفِضُ بمُذْ ما مَضَى وما لَمْ يَمْضِ ، وبَعْضُهُم يَرْفَعُ بمُنْذُ ما مَضَى ، وما لَمْ يَمْضِ.
والكَلامُ : أَنْ تَخْفِضَ بمُذْ ما لَمْ يَمْضِ ، وتَرْفَعَ ما مَضَى ، وتَخْفِضَ بمُنْذ ما لَمْ يَمْضِ ، وما مَضَى ـ وهو المُجْتَمَعُ عليه.
وقد أَجْمَعَت العَرَبُ على ضَمِّ الذالِ من « مُنْذُ » إِذا كانَ بعدَها مُتَحَرِّكٌ أَو ساكِنٌ ، وعَلَى إِسكانِ « مُذْ » إِذا كانَ بعدَها مُتَحَرِّكٌ ، وبتَحْرِيكِها بالضَّمِّ والكَسْرِ إِذا كانَتْ بعدَها أَلِفُ وَصْلٍ.
قال اللِّحْيانِىُّ : وبَنُو عُبَيْدٍ من غَنِىٍّ يُحَرِّكُونَ الذّالَ من « مُذ » عند المُتَحَرِّكِ والسّاكنِ ، ويَرْفَعُون ما بَعْدَها ، فيَقُولونَ : مُذُ اليَوْمُ. وبَعْضُهُم يكسِرُ عند السّاكنِ ، فيَقُول : « مُذِ اليَوْمُ ».
قالَ بعضُ النَّحْوِيِّين : ووَجْهُ جَوازِ هذا ـ عَلَى ضَعْفِه ـ أَنَّه شَبَّه ذالَ مُذْ بدالِ « قَدْ » ولامِ « هَلْ » ـ فكَسَرها حينَ احْتاجَ إلى ذلِك ، كما كَسَر لامَ « هَلْ » ودال « قد ».
وحُكِىَ عن بَعْضِ بَنِى سُلَيْم : ما رَأَيْتُه مِنْذ سِتٌّ. بكسر الميمِ ، ورَفْعِ ما بَعْدَها.