حَرْفٌ غَيرُ مَعْمُودٍ بالهَمْزَةِ والنُّونِ من قَبْلها بل ما قَبْلَها هو الاسمُ ، وهى حَرْفُ خطابٍ ، فكذلك ما قَبْلَ الكاف فى إِيَّاكَ اسمٌ ، والكافُ حَرْفُ خِطابٍ ، فهذا هو مَحْضُ القِياسِ ، وأما قولُ أبى إِسحَاقَ : إِن (إِيَّا) اسمٌ مُظْهَرٌ خُصَّ بالإضافةِ إلى المُضْمَرِ ـ ففاسِدٌ أيضًا ، وليس (إِيَّا) بمُظْهَرٍ كما زَعَمَ ، والدليلُ على أن (إِيَّا) ليس باسمٍ مُظهَرٍ اقتصارُهُم بهِ على ضَرْبٍ واحدٍ من الإِعرابِ وهو النَّصْبُ ، كما اقْتَصَرُوا بأنَا وأَنتَ ونَحْوِهما على ضَرْبٍ واحدٍ من الإِعرابِ وهو الرفعُ ، فكما أنَّ : أَنَا ، وأَنْتَ ، وهو ، ونَحْنُ ، وما أَشْبَهَ ذلك أسماءٌ مُضْمَرةٌ ، فكذلك (إِيَّا) اسمٌ مُضْمَرٌ ؛ لاقتصارِهِم به على ضَرْبٍ واحدٍ من الإِعرابِ وهو النَّصْبُ ، ولم نَعْلَمِ اسْمًا مُظْهَرًا اقتُصِرَ به على النَّصْبِ البتَّةَ ، إلا ما اقتُصِرَ به من الأسماءِ على الظَّرفيَّةِ ، وذلك نحو : ذاتَ مَرَّةٍ ، وبُعَيْدَاتِ بَيْنٍ ، وذا صَبَاحٍ ، وما جَرَى مَجْرَاهُنَّ ، وشَيئًا من المصادِرِ نَحْوَ : (سُبْحانَ اللهِ) ، و (مَعاذَ اللهِ) ، ولَبَّيْكَ ، ولَيْسَ (إِيَّا) ظَرْفًا ولا مَصْدَرًا فَيَلْحَقَ بهذه الأسماءِ ، فقد صَحَّ إِذَنْ بما أَوْرَدْناهُ سُقُوطُ هذِه الأقوالِ ، ولم يَبْقَ هنا قولٌ يجِبُ اعتِقَادُهُ ويَلْزَمُ الدُخُولُ تَحْتَهُ إلا قولُ أبى الحَسَنِ : من أَنَّ (إِيَّا) اسمٌ مُضْمَرٌ ، وأن الكافَ بعده لَيْسَتْ باسمٍ ، وإنما هى للخِطابِ بمنزِلَةِ كافِ (ذَلِكَ) وأَرَأَيتَكَ وأُبْصِرْكَ زَيْدًا ولَيْسَكَ عَمْرًا والنجاك (١).
قال ابنُ جِنِّى : وسُئِل أبو إِسحَاقَ عن مَعْنى قولِه ـ عَزَّ وجَلَّ ـ : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] ما تَأْوِيلُهُ؟ فقال : تَأْوِيلُهُ : حَقِيقَتَكَ نَعْبُدُ ، قالَ : واشتِقَاقُهُ مِنَ الآيَةِ التى هى العَلامةُ ، قال ابنُ جِنّى : وهذا القولُ من أبى إِسحَاقَ عِندى غَيرُ مَرْضِىٍّ ؛ وذلك أنَّ جميعَ الأسماءِ المُضْمَرة مَبْنِىٌّ غيرُ مُشْتَقٍّ نحو : أَنَا وهىَ وهوَ ، وقد قامَتِ الدِّلَالَةُ على كوْنِه اسْمًا مُضْمرًا فيجبُ أن لا يكونَ مُشْتَقّا.
* وأَيَا : حَرْفُ نِداءٍ ، وتُبْدَلُ الهاءُ من الهَمْزَةِ فيقالُ : هَيَا ، قال :
فَانصَرفَتْ وَهىَ حَصَانٌ مُغْضَبَهْ |
|
وَرَفَّعَتْ بِصَوْتِها هَيَا أَبَهْ(٢) |
قال ابنُ السِّكِّيتِ : يُريُد أَيَا أَبَهْ ، ثم أَبْدَلَ الهَمْزَةَ هاءً ، وهذا صَحِيحٌ ؛ لأن أَيَا فى النِّدَاءِ أَكْثَرُ من هَيَا.
__________________
(١) تحتمل فى الأصل المخطوط : النجأك أو النجآك ، والمثبت من اللسان (أيا). قال ابن منظور فى اللسان (نجا) : « وقالوا : النجاك ، فأدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، لأن الألف واللام معاقبة للإضافة ، فثبت أنها ككاف ذلك وأريتك زيدًا أبو من هو ».
(٢) الرجز للأغلب العجلى فى ديوانه ص ١٤٩ وله أو لامرأة من بنى سعد يقال لها الحجفاء بنت علقمة فى فضل المقال ص ٢١٨ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٧٦ ، وتاج العروس (أبى).