قال سيبويه : ظلَ يُفَرِّسُهَا ويُؤَكِّلُها ، أى يُكْثِر ذلك فيهَا. وسَبُعٌ فَرَّاسٌ : كثير الافتراسِ ، قال الهُذَلِىُّ :
يامَىُّ لا يُعْوِزُ الأيامَ ذُو حِيَدٍ |
|
فى حَوْمَةِ المَوْتِ رَوّامٌ وفَرَّاسُ (١) |
وفَرَّسَهُ الشىءَ : عرَّضَهُ له يَفْتَرِسُهُ ، واستعمل العجاجُ ذلكِ فى النُّعَرِ من الذَّبانِ فقال :
ضَرْباً إذا صابَ اليَآفِيخَ احتَقَرْ |
|
فى الْهامِ دُخْلاناً يُفَرِّسْنَ النُّعَرْ (٢) |
أى أن هذه الجِراحاتِ واسِعةٌ ، فَهنَّ تُمَكِّنَّ النُّعَرَ بما تُرِيدُه مِنْهَا ، واستَعْمله بعض الشّعراء فى الإِنسانِ فقال ، أنَشَدَه ابن الأعرابىِّ :
قد أَرْسَلُونِى فى الكَواعِبِ راعياً |
|
فَقَدْ ، وَأَبِى ، راعِى الكَواعِبِ ، أَفْرِسُ |
أتَتْهُ ذِئابٌ لا يُبالِينَ راعِيًا |
|
وكُنَّ سَوَاماً تَشْتَهِى أن تُفَرَّسَا (٣) |
أى كانت هذه النِّساءُ مُشْتَهياتٍ للتَّفْريس ، فجعَلَهُنَّ كالسَّوامِ إلَّا أنَّهُنَّ خالَفْنَ السَّوامَ ، لأن السَّوامَ لا تشتهى أن تُفَرَّسَ إذ فى ذلك حَتْفُها ، والنّساءُ يَشْتَهِينَ ذلك لما فيه من لَذَّتِهِنَّ ، إذْ فَرْسُ الرِّجالِ للنِّساءِ هاهنا إنما هو مُواصَلَتُهُنَّ ، وأَفْرِسُ من قَوْلِه :
فَقَدْ ، وأَبِى ، راعِى الكَواعِبِ ، أفْرِسُ
موضوعٌ موضِع فَرَسْتُ ، كأنه قال : فَقَد فَرَسْتُ ، قال سيبويه : قد يضَعُونَ أفْعَلُ موضِع فَعَلْتُ ، ولا يَضَعُونَ فَعَلْتُ فى موضِعِ أفْعَلُ إلا فى مُجَازَاةٍ ، نحو إنْ فَعَلْتَ فَعَلْتُ ، وقولُه : وأَبِى خَفْضٌ بواوِ القَسَم ، وقولُه : راعِى الكَواعِب يكونُ حالاً من التَّاءِ المقدَّرةِ ، كأنَّه قالَ : فقدْ فَرَسْتُ راعِياً للكَواعِبِ ، أى وأنا إذ ذلِكَ كذلكَ ، وقد يجوز أن يكون قولُه : وأَبِى مُضافاً إلى راعِى الكَواعِبِ ، وهو يريدُ بِرَاعِى الكواعبِ ذاتَهُ ، وقوله : أتَتْه ذئَابٌ لا يُبالِينَ راعِياً ، أى رجالُ سُوءٍ فُجَّارٌ لا يُبَالونَ مَنْ رَعَى هؤلاء النِّساءَ ، فنالُوا مِنْهُنَّ إرادتَهُم وهَواهُمْ ، ونِلْن منْهم مثل ذلك ، وإنَّما كَنَى بالذِّئاب عن الرِّجالِ ، لأنَّ الزُّناةَ خُبثاءُ كما أن الذِّئابَ خَبيثةٌ ، وقال تشْتَهِى على المبالغَة ، ولو لم يُرِدِ المبالغَةَ لقال : تُرِيدُ أن تُفَرَّسَ مكانَ تشْتَهِى ، غيرَ أن الشَّهْوةَ أبلغُ من الإِرَادةِ ، والعُقَلاءُ مُجْمِعُونَ على أنَّ الشَّهوةَ غيرُ محْمودةٍ البَتَّةَ ، فأمَّا
__________________
(١) البيت لمالك بن خالد (أو خويلد) الخناعى الهذلى فى لسان العرب (عرس) ؛ وللهذلى فى لسان العرب (وحد) ، (فرس) ؛ وفيه (رزَّام) مكان (روَّام).
(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه (١ / ٦٤ ، ٦٥) ؛ ولسان العرب (فرس) ، (صقع) ؛ وتاج العروس (فرس) ؛ وبلا نسبة فى المخصص (١ / ٥٥).
(٣) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (فرس) ، (فوا) ؛ وتاج العروس (فرس).