قولِهمِ : ضَرَبْتُ زيداً وعَمْراً لَقِيتُه ، فكأنه قال : ولَقِيتُ عَمْراً لتَتَجَانَسَ الجُمْلتانِ فى التركيبِ ، فلولا أن البَيْتَيْن جميعاً عند العربِ يَجْريان مَجْرَى الجُملة الواحدة لما اختارتِ العربُ والنحويُون جميعاً نَصْبَ الذِّئْب ، ولكن دَلَّ على اتِّصال أحدِ البَيْتيْن بصاحِبه وكَوْنهما معاً كالجُملةِ المَعْطوفِ بعضها على بعضٍ ، وحُكْمُ المَعْطوفِ والمعطوفِ عليه أن يَجْرِيا مَجْرَى العُقْدةِ الواحدة ، هذا وَجْهُ القِياسِ فى حُسْنِ التَّضْمين ، إلا أنَّ بإزائه شيئاً آخَرَ يَقْبُحُ التَّضْمِينُ لأَجْلِه وهو أنَّ أبا الحَسَنِ وغيرَه قد قالوا : إنّ كُلَّ بيتٍ من القصيدةِ شِعْرٌ قائمٌ بنَفْسِه ، فمن هنا قَبُحَ التَّضْمِينُ شيئاً ، ومن حيثُ ذكَرْنا من اخْتِيار النَّصْبِ فى بيتِ الرَّبيعِ حَسُنَ ، وإذا كانت الحالُ على هذا فكُلَّما ازْدادتْ حاجةُ البَيْتِ الأَوَّل إلى البيتِ الثانى واتَّصَلَ به اتِّصالاً شديداً كان أَقْبَحَ ممّا لم يَحْتَجِ الأَوَّلُ فيه إلى الثانى هذه الحاجَة ، قال : فَمِنْ أشَدِّ التَّضْمِين قولُ الشاعرِ رَوَيْناه عن قُطْرُب وغيرِه :
وَلَيْسَ المالُ فاعْلَمْهُ بِمالٍ |
|
من الأقوامِ إلا للذِىِ |
يُرِيدُ به العَلَاءَ ويَمْتَهِنْهُ |
|
لأَقْربِ أَقْرَبِيه ولِلْقَصِىِ (١) |
فَضَمَّنَ بالمَوْصولِ والصِّلَةِ على شِدّةِ اتِّصالِ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِه.
وقال النابغةُ :
وهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَميمٍ |
|
وهم أَصحابُ يَوْمِ عُكَاظَ إنِّى |
شَهِدْتُ لهم مَواطِنَ صادِقاتٍ |
|
أَتَيْتُهمُ بِوُدِّ الصَّدْرِ مِنِّى (٢) |
وهذا دُونَ الأَوَّل ، لأنه دُونَ المُخْبَرِ عنه بخَبَرِه فى شِدّةِ اتِّصالِ المَوْصولِ بصِلَتِه ، ومثلُه قولُ القُلاخِ لِسَوَّارِ بْنِ حَيَّانَ المنْقَرِىِّ :
ومِثْلَ سَوّارٍ ردَدْنَاه إلى |
|
إدْرَوْنِه ولُؤْمِ إصِّهِ عَلَى |
الرَّغْمِ مَوْطُوءَ الحِمَى مُذَلَّلا (٣) |
* والمُضَمَّنُ من الأَصْواتِ : ما لا يُسْتطاعُ الوُقوفُ عليه حتى يُوصَلَ بآخَرَ.
* والضَّمانُ : الزَّمانَة والعاهةُ ، قال الشاعرُ :
__________________
(١) البيتان بلا نسبة فى لسان العرب (ضمن) ، (لذا) ؛ وتاج العروس (ضمن) ، (لذى).
(٢) البيتان للنابغة فى ديوانه ص ١٢٧ ؛ ١٢٨ ؛ وفى لسان العرب (ضمن) ؛ والثانى منهما للنابغة فى تاج العروس (ضمن).
(٣) الرجز للقلاخ فى لسان العرب (أصص) ، (درن) ، (ضمن) ؛ وتهذيب اللغة (١٤ / ٩٣).