بالوحي يقرؤه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعده شيئا.
ويقرب من الاعتبار أن تكون هذه الآية أعني قوله : « سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى » نازلة أولا ثم قوله : « لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بيانهُ » القيامة : ١٩ ثم قوله : « وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » طه : ١١٤.
وقوله : « إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى » الجهر كمال ظهور الشيء لحاسة البصر كقوله. « فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً » النساء : ١٥٣ ، أو لحاسة السمع كقوله : « إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ » الأنبياء : ١١٠ ، والمراد بالجهر الظاهر للإدراك بقرينة مقابلته لقوله : « وَما يَخْفى » من غير تقييده بسمع أو بصر.
والجملة في مقام التعليل لقوله. « سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى » والمعنى سنصلح لك بالك في تلقي الوحي وحفظه لأنا نعلم ظاهر الأشياء وباطنها فنعلم ظاهر حالك وباطنها وما أنت عليه من الاهتمام بأمر الوحي والحرص على طاعته فيما أمر به.
وفي قوله : « إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ » إلخ التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه الإشارة إلى حجة الاستثناء فإفاضة العلم والحفظ للنبي صلىاللهعليهوآله إنما لا يسلب القدرة على خلافه ولا يحدها منه تعالى لأنه الله المستجمع لجميع صفات الكمال ومنها القدرة المطلقة ثم جرى الالتفات في قوله : « إِنَّهُ يَعْلَمُ » إلخ لمثل النكتة.
قوله تعالى : « وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى » اليسرى ـ مؤنث أيسر ـ وهو وصف قائم مقام موصوفة المحذوف أي الطريقة اليسرى والتيسير التسهيل أي ونجعلك بحيث تتخذ دائما أسهل الطرق للدعوة والتبليغ قولا وفعلا فتهدي قوما وتتم الحجة على آخرين وتصبر على أذاهم.
وكان مقتضى الظاهر أن يقال : ونيسر لك اليسرى كما قال : « وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي » طه : ٢٦ وإنما عدل عن ذلك إلى قوله : « وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى » لأن الكلام في تجهيزه تعالى نفس النبي الشريفة وجعله إياها صالحة لتأدية الرسالة ونشر الدعوة. على ما في نيسر اليسرى من إيهام تحصيل الحاصل.
فالمراد جعله صلىاللهعليهوآله صافي الفطرة حقيقا على اختيار الطريقة اليسرى التي هي طريقة