وفي الإتيان بقوله : « خُلِقَ » مبنيا للمفعول وترك ذكر الفاعل وهو الله سبحانه إيماء إلى ظهور أمره ، ونظيره قوله : « خُلِقَ مِنْ ماءٍ » إلخ.
قوله تعالى : « خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ » الدفق تصبب الماء وسيلانه بدفع وسرعة والماء الدافق هو المني والجملة جواب عن استفهام مقدر يهدي إليه قوله : « مِمَّ خُلِقَ ».
قوله تعالى : « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » الصلب الظهر ، والترائب جمع تريبة وهي عظم الصدر.
وقد اختلفت كلماتهم في الآية وما قبلها اختلافا عجيبا ، والظاهر أن المراد بقوله : « بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » البعض المحصور من البدن بين جداري عظام الظهر وعظام الصدر (١).
قوله تعالى : « إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ » الرجع الإعادة ، وضمير « إِنَّهُ » له تعالى واكتفى بالإضمار مع أن المقام مقام الإظهار لظهوره نظير قوله : « خُلِقَ » مبنيا للمفعول.
والمعنى أن الذي خلق الإنسان من ماء صفته تلك الصفة ، على إعادته وإحيائه بعد الموت ـ وإعادته مثل بدئه ـ لقادر لأن القدرة على الشيء قدرة على مثله إذ حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.
قوله تعالى : « يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ » ظرف للرجع ، والسريرة ما أسره الإنسان وأخفاه في نفسه ، والبلاء الاختبار والتعرف والتصفح.
فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الإنسان وأسره من العقائد وآثار الأعمال خيرها وشرها فيميز خيرها من شرها ويجزي الإنسان به فالآية في معنى قوله تعالى : « إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ » البقرة : ٢٨٤.
قوله تعالى : « فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ » أي لا قدرة له في نفسه يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر له يدفع عنه ذلك أي لا قدرة هناك يدفع عنه الشر لا من نفسه ولا من غيره.
قوله تعالى : « وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ » إقسام بعد إقسام لتأكيد أمر القيامة والرجوع إلى الله.
والمراد بكون السماء ذات رجع ما يظهر للحس من سيرها بطلوع الكواكب بعد
__________________
(١) وقد أورد المراغي في تفسيره في ذيل الآية عن بعض الأطباء توجيها دقيقا علميا لهذه الآية من أراده فليراجعه.