وقد قدم سبحانه على ذلك الإشارة إلى قصة أصحاب الأخدود ، وفيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى ، وأتبعها بالإشارة إلى حديث الجنود فرعون وثمود وفيه تطييب لنفس النبي صلىاللهعليهوآله بوعد النصر وتهديد للمشركين.
والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى : « وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ » البروج جمع برج وهو الأمر الظاهر ويغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين ويسمى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجا وهو المراد في الآية لقوله تعالى : « وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ » الحجر : ١٧ ، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء.
وبذلك يظهر أن تفسير البروج بالبروج الاثني عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد وفي الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج ، ولا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصة ثم الوعيد والوعد وسنشير إليه.
قوله تعالى : « وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ » عطف على السماء وإقسام باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله القضاء فيه بين عباده.
قوله تعالى : « وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ » معطوفان على السماء والجميع قسم بعد قسم على ما أريد بيانه في السورة وهو ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين والمؤمنات لإيمانهم والوعد الجميل لمن آمن وعمل صالحا.
فكأنه قيل : أقسم بالسماء ذات البروج التي يدفع الله بها عنها الشياطين أن الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين وأوليائهم من الكافرين ، وأقسم باليوم الموعود الذي يجزي فيه الناس بأعمالهم ، وأقسم بشاهد يشهد ويعاين أعمال أولئك الكفار وما يفعلونه بالمؤمنين لإيمانهم بالله وأقسم بمشهود سيشهده الكل ويعاينونه إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ، إلى آخر الآيتين.
ومن هنا يظهر أن الشهادة في « شاهِدٍ » و « مَشْهُودٍ » بمعنى واحد وهو المعاينة بالحضور ، على أنها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حق التعبير « ومشهود عليه » لأنها بهذا المعنى إنما تتعدى بعلى.
وعلى هذا يقبل « شاهِدٍ » الانطباق على النبي صلىاللهعليهوآله لشهادته أعمال أمته ثم يشهد عليها يوم القيامة ، ويقبل « مَشْهُودٍ » الانطباق على تعذيب الكفار لهؤلاء المؤمنين وما فعلوا