والكلام في معنى الآيات الثلاث نظير الكلام في الآيات الثلاث المتقدمة التي تحاذيها من قوله : « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ ».
فالمعنى أن الذي كتب للأبرار وقضي جزاء لبرهم لفي عليين وما أدراك ما عليون هو أمر مكتوب ومقضي قضاء حتما لازما متبين لا إبهام فيه.
وللقوم أقاويل في هذه الآيات نظير ما لهم في الآيات السابقة من الأقوال غير أن من أقوالهم في عليين أنه السماء السابعة تحت العرش فيه أرواح المؤمنين ، وقيل سدرة المنتهى التي إليها تنتهي الأعمال ، وقيل : لوح من زبرجدة تحت العرش معلق مكتوب فيه أعمالهم ، وقيل : هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة ، والكلام فيها كالكلام فيما تقدم من أقوالهم.
قوله تعالى : « يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » الأنسب لما تقدم من معنى الآيات السابقة أن يكون « يَشْهَدُهُ » من الشهود بمعنى المعاينة والمقربون قوم من أهل الجنة هم أعلى درجة من عامة الأبرار على ما سيأتي استفادته من قوله : « عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ » فالمراد معاينتهم له بإراءة الله إياه لهم وقد قال الله تعالى في مثله من أمر الجحيم : « كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ » التكاثر : ٦ ومنه يظهر أن المقربين هم أهل اليقين.
وقيل : الشهادة هي الحضور والمقربون الملائكة ، والمراد حضور الملائكة على صحيفة عملهم إذا صعدوا بها إلى الله سبحانه.
وقيل : المقربون هم الأبرار والملائكة جميعا.
والقولان مبنيان على أن المراد بالكتاب صحيفة الأعمال وقد تقدم ضعفه.
( بحث روائي )
في تفسير القمي ، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام قال : نزلت يعني سورة المطففين على نبي الله ص ـ حين قدم المدينة وهم يومئذ أسوأ الناس كيلا ـ فأحسنوا الكيل.
وفي أصول الكافي ، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إن الله عز وجل خلقنا من أعلى عليين ـ وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه ـ وخلق أبدانهم من دون ذلك ـ فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا ـ ثم تلا هذه الآية « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ـ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ».
وخلق قلوب عدونا من سجين ـ وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه ـ وأبدانهم من دون