وقيل : لم يذكر الاتزان لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء فذكر أحدهما يدل على الآخر. وفيه أن ما ذكر في الاكتيال جار في الكيل أيضا وقد ذكر معه الوزن فالوجه لا يخلو من تحكم.
وقيل : الآيتان تحاكيان ما كان عليه دأب الذين نزلت فيهم السورة فقد كانوا يشترون بالاكتيال فقط ويبيعون بالكيل والوزن جميعا ، وهذا الوجه دعوى من غير دليل.
إلى غير ذلك مما ذكروه في توجيه الاقتصار على ذكر الاكتيال في الآية ، ولا يخلو شيء منها من ضعف.
قوله تعالى : « أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ » الاستفهام للإنكار والتعجيب ، والظن بمعناه المعروف والإشارة إلى المطففين بأولئك الموضوعة للإشارة البعيدة للدلالة على بعدهم من رحمة الله ، واليوم العظيم يوم القيامة الذي يجازون فيه بعملهم.
والاكتفاء بظن البعث وحسبانه ـ مع أن من الواجب الاعتقاد العلمي بالمعاد ـ لأن مجرد حسبان الخطر والضرر في عمل يوجب التجنب عنه والتحرز عن اقترافه وإن لم يكن هناك علم فالظن بالبعث ليوم عظيم يؤاخذ الله فيه الناس بما كسبوا من شأنه أن يردعهم عن اقتراف هذا الذنب العظيم الذي يستتبع العذاب الأليم.
وقيل : الظن في الآية بمعنى العلم.
قوله تعالى : « يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ » المراد به قيامهم من قبورهم ـ كناية عن تلبسهم بالحياة بعد الممات ـ لحكمه تعالى وقضائه بينهم.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » ردع ـ كما قيل ـ عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب.
وقوله : « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ » إلخ الذي يعطيه التدبر في سياق الآيات الأربع بقياس بعضها إلى بعض وقياس المجموع إلى مجموع قوله : « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ » إلى تمام أربع آيات أن المراد بسجين ما يقابل عليين ومعناه علو على علو مضاعف ففيه شيء من معنى السفل والانحباس فيه كما يشير إليه قوله : « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » التين : ٥ فالأقرب أن يكون مبالغة من السجن بمعنى الحبس كسكير وشريب من السكر والشرب فمعناه الذي يحبس من دخله على التخليد كما قيل.