التدبير الربوبي التي تدهش لبه وتحير عقله ، وتعلق العناية الإلهية ـ على دقتها وإحاطتها ـ بصلاح حاله واستقامة أمره.
والمراد بالإنسان ـ كما قيل ـ غير الإنسان المتقدم المذكور في قوله : « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ » فإن المراد به خصوص الإنسان المبالغ في الكفر بخلاف الإنسان المذكور في هذه الآية المأمور بالنظر فإنه عام شامل لكل إنسان ، ولذلك أظهر ولم يضمر.
قوله تعالى : « أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ـ إلى قوله ـ وَلِأَنْعامِكُمْ » القراءة الدائرة « أَنَّا » بفتح الهمزة وهو بيان تفصيلي لتدبيره تعالى طعام الإنسان نعم هو مرحلة ابتدائية من التفصيل وأما القول المستوفى لبيان خصوصيات النظام الذي هيأ له هذه الأمور والنظام الوسيع الجاري في كل من هذه الأمور والروابط الكونية التي بين كل واحد منها وبين الإنسان فمما لا يسعه نطاق البيان عادة.
وبالجملة قوله : « أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا » الصب إراقة الماء من العلو ، والمراد بصب الماء إنزال الأمطار على الأرض لإنبات النبات ، ولا يبعد أن يشمل إجراء العيون والأنهار فإن ما في بطن الأرض من ذخائر الماء إنما يتكون من الأمطار.
وقوله : « ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا » ظاهره شق الأرض بالنبات الخارج منها ولذا عطف على صب الماء بثم وعطف عليه إنبات الحب بالفاء.
وقوله : « فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا » ضمير « فِيها » للأرض ، والمراد بالحب جنس الحب الذي يقتات به الإنسان كالحنطة والشعير ونحوهما وكذا في العنب والقضب وغيرهما.
وقوله : « وَعِنَباً وَقَضْباً » العنب معروف ، ويطلق على شجر الكرم ولعله المراد في الآية ونظيره الزيتون.
والقضب هو الغض الرطب من البقول الذي يأكله الإنسان يقضب أي يقطع مرة بعد أخرى ، وقيل : هو ما يقطع من النبات فتعلف به الدواب.
وقوله : « وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً » معروفان.
وقوله : « وَحَدائِقَ غُلْباً » الحدائق جمع حديقة وهي على ما فسر البستان المحوط والغلب جمع غلباء يقال : شجرة غلباء أي عظيمة غليظة فالحدائق الغلب البساتين المشتملة على أشجار عظام غلاظ.