ويلحق بهذا البحث الكلامي في نحوسة سائر الأمور المعدودة عند العامة مشئومة نحسة كالعطاس مرة واحدة عند العزم على أمر وغير ذلك وقد وردت في النهي عن التطير بها والتوكل عند ذلك روايات في أبواب متفرقة ، وفي النبوي المروي من طرق الفريقين : لا عدوى (١) ، ولا طيرة ، ولا هامة ، ولا شؤم ، ولا صفر ، ولا رضاع بعد فصال ، ولا تعرب بعد هجرة ، ولا صمت يوما إلى الليل ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يتم بعد إدراك.
* * *
قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » النذر إما مصدر كما قيل والمعنى : كذبت ثمود بإنذار نبيهم صالح عليهالسلام ، وإما جمع نذير بمعنى المنذر ، والمعنى : كذبت ثمود بالأنبياء لأن تكذيبهم بالواحد منهم تكذيب منهم بالجميع لأن رسالتهم واحدة لا اختلاف فيها فيكون في معنى قوله : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ » الشعراء : ١٤١ ، وإما جمع نذير بمعنى الإنذار ومرجعه إلى أحد المعنيين السابقين.
قوله تعالى : « فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » تفريع على التكذيب والسعر جمع سعير بمعنى النار المشتعلة ، واحتمل أن يكون بمعنى الجنون وهو أنسب للسياق ، والظاهر أن المراد بالواحد الواحد العددي ، والمعنى : كذبوا به فقالوا : أبشرا من نوعنا وهو شخص واحد لا عدة له ولا جموع معه نتبعه إنا إذا مستقرون في ضلال عجيب وجنون.
فيكون هذا القول توجيها منهم لعدم اتباعهم لصالح لفقده العدة والقوة وهم قد اعتادوا على اتباع من عنده ذلك كالملوك والعظماء وقد كان صالح عليهالسلام يدعوهم إلى طاعة نفسه ورفض طاعة عظمائهم كما يحكيه الله سبحانه عنه بقوله : « فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ » الشعراء : ١٥١.
__________________
(١) العدوى مصدر كالأعداء بمعنى تجاوز مرض المريض منه الى غيره كما يقال في الجرب والوباء والجدري وغيرها ، والمراد بنفي العدوى كما يفيده مورد الرواية أن يكون العدوى مقتضى المرض من غير انتساب الى مشية الله تعالى ، والهامة ما كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل تصير طائراً يأوي الى قبره ويصيح ويشتكي العطش حتى يؤخذ بثأره ، والصفر هو التصغير عند سقاية الحيوان وغيره.