أنفسهم من الخير فاعترفوا بأن ما أتوا به كان تبعته دخول النار وكان عليهم أن لا يأتوا به ، وهذا هو الذنب فقد اعترفوا بذنبهم.
وإنما أفرد الذنب بناء على إرادة معنى المصدر منه وهو في الأصل مصدر.
وقوله : « فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ » السحق تفتيت الشيء كما ذكره الراغب وهو دعاء عليهم.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ » لما ذكر حال الكفار وما يجازون به على كفرهم قابلة بحال المؤمنين بالغيب لتمام التقسيم وذكر من وصفهم الخشية لأن المقام مقام الإنذار والوعيد.
وعد خشيتهم خشية بالغيب لكون ما آمنوا به محجوبا عنهم تحت حجب الغيب.
قوله تعالى : « وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » رفع شبهة يمكن أن تختلج في قلوبهم مبنية على الاستبعاد وذلك أنه تعالى ساق الكلام في بيان ربوبيته لكل شيء المستتبعة للبعث والجزاء وذكر ملكه وقدرته المطلقين وخلقه وتدبيره ولم يذكر علمه المحيط بهم وبأحوالهم وأعمالهم وهو مما لا يتم البعث والجزاء بدونه.
وكان من الممكن أن يتوهموا أن الأعمال على كثرتها الخارجة عن الإحصاء لا يتأتى ضبطها وخاصة ما تكنه الصدور منها فإن الإنسان يقيس الأشياء بنفسه ويزنها بزنة نفسه وهو غير قادر على إحصاء جزئيات الأعمال التي هي حركات مختلفة متقضية وخاصة أعمال القلوب المستكنة في زواياها.
فدفعه بأن إظهار القول وإخفاءه سواء بالنسبة إليه تعالى فإنه عليم بذات الصدور ، والسياق يشهد أن المراد استواء خفايا الأعمال وجلاياها بالنسبة إليه ، وإنما ذكر أسرار القول وجهره من حيث ظهور معنى الخفاء والظهور فيه بالجهر والإسرار.
قوله تعالى : « أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » استفهام إنكاري مأخوذ حجة على علمه تعالى بأعمال الخلق ظاهرها وباطنها وسرها وجهرها وذلك أن أعمال الخلق ـ ومن جملتها أعمال الإنسان الاختيارية ـ وإن نسبت إلى فواعلها لكن الله سبحانه هو الذي يريدها ويوجدها من طريق اختيار الإنسان واقتضاء سائر الأسباب فهو الخالق لأعيان الأشياء والمقدر لها آثارها كيفما كانت والرابط بينها وبين آثارها الموصل لها إلى آثارها ، قال تعالى : « اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » الزمر : ٦٢ ، وقال :