به الإزاغة عن الإيمان يخرج الكلام عن الفائدة لأنهم إذا زاغوا عن الإيمان فقد صاروا كفارا فلا معنى لقوله : أزاغهم الله عن الإيمان.
وجه الفساد أن قوله : لا يجوز له تعالى أن يزيغ أحدا عن الإيمان ممنوع بإطلاقه فإن الملاك فيه لزوم الظلم وإنما يلزم فيما كان من الإزاغة والإضلال ابتدائيا وأما ما كان على سبيل المجازاة وحقيقته إمساك الرحمة وقطع الهداية لتسبيب العبد لذلك بفسقه وإعراضه عن الرحمة والهداية فلا دليل على منعه لا عقلا ولا نقلا.
وأما قوله : إن الكلام يخرج بذلك عن الفائدة فيدفعه أن الذي ينسب من الزيغ إلى العبد ويحصل معه الكفر تحقق ما له بالفسق والذي ينسب إليه تعالى تثبيت الزيغ في قلب العبد والطبع عليه به فزيغ العبد عن الإيمان بسبب فسقه وحصول الكفر بذلك لا يغني عن تثبيت الله الزيغ والكفر في قلبه على سبيل المجازاة.
قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » تقدم في صدر الكلام أن هذه الآية والتي قبلها والآيات الثلاث بعدها مسوقة لتسجيل أن النبي صلىاللهعليهوآله رسول معلوم الرسالة عند المؤمنين أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون من أهل الكتاب ، وما جاء به من الدين نور ساطع من عند الله يريد المشركون ليطفئوه بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون.
فعلى المؤمنين أن لا يؤذوه صلىاللهعليهوآله وهم يعلمون أنه رسول الله إليهم ، وأن ينصروه ويجاهدوا في سبيل ربهم لإحياء دينه ونشر كلمته.
ومن ذلك يعلم أن قوله : « وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ » إلخ ، كالتوطئة لما سيذكر من كون النبي صلىاللهعليهوآله رسولا مبشرا به من قبل أرسله الله بالهدى ودين الحق ودينه نوره تعالى يهتدي به الناس.
والذي حكاه تعالى عن عيسى بن مريم عليهالسلام أعني قوله : « يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » ملخص دعوته وقد آذن بأصل دعوته بقوله : « إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ » فأشار إلى أنه لا شأن له إلا أنه حامل رسالة من الله إليهم ، ثم بين متن ما أرسل إليهم لأجل تبليغه في رسالته بقوله : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ » إلخ.