كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه « أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ » إلا أربع سنين ، وظاهره كون السورة مكية ، وفي معناه ما ورد أن عمر آمن بعد نزول هذه السورة وقد عرفت أن سياق آيات السورة تأبى إلا أن تكون مدنية ، ويمكن حمل رواية ابن مسعود على كون آية « أَلَمْ يَأْنِ » إلخ ، أو هي والتي تتلوها مما نزل بمكة دون باقي آيات السورة.
وفي رواية عن النبي صلىاللهعليهوآله : استبطأ الله قلوب المهاجرين ـ بعد سبع عشرة من نزول القرآن ـ فأنزل الله « أَلَمْ يَأْنِ » الآية ، ولازمه نزول السورة سنة أربع أو خمس من الهجرة ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين ـ فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ـ فقال : « أَلَمْ يَأْنِ » إلخ ، ولازمه نزول السورة أيام الهجرة ، والروايتان أيضا لا تلائمان سياق آياتها.
وفيه ، أخرج ابن جرير عن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : مؤمنوا أمتي شهداء ، ثم تلا النبي صلىاللهعليهوآله : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ـ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ».
وفي تفسير العياشي ، بإسناده عن منهال القصاب قال : لأبي عبد الله عليهالسلام : ادع الله أن يرزقني الشهادة ـ فقال : إن المؤمن شهيد وقرأ هذه الآية.
أقول : وفي معناه روايات أخرى وظاهر بعضها كهذه الرواية تفسير الشهادة بالقتل في سبيل الله.
في تفسير القمي ، بإسناده عن حفص بن غياث قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك ـ فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال : قد حده الله في كتابه فقال عز وجل : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ».
وفي نهج البلاغة ، قال عليهالسلام : الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي ـ فقد أخذ الزهد بطرفيه.
أقول : والأساس الذي يبتنيان عليه عدم تعلق القلب بالدنيا ، وفي الحديث المعروف : حب الدنيا رأس كل خطيئة.