و « مِنْ » في قوله : « مِنْ شَجَرٍ » للابتداء ، وفي قوله : « مِنْ زَقُّومٍ » بيانية ويحتمل أن يكون « مِنْ زَقُّومٍ » بدلا من « مِنْ شَجَرٍ » ، وضمير « مِنْهَا » للشجر أو الثمر وكل منهما يؤنث ويذكر ولذا جيء هاهنا بضمير التأنيث وفي الآية التالية في قوله : « فَشارِبُونَ عَلَيْهِ » بضمير التذكير ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ » كلمة « على » للاستعلاء وتفيد في المورد كون الشرب عقيب الأكل من غير ريث ، والهيم جمع هيماء الإبل التي أصابها الهيام بضم الهاء وهو داء شبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب الماء حتى تموت أو تسقم سقما شديدا ، وقيل : الهيم الرمال التي لا تروى بالماء.
والمعنى : فشاربون عقيب ما أكلتم من الزقوم من الماء الشديد الحرارة فشاربون كشرب الإبل الهيم أو كشرب الرمال الهيم وهذا آخر ما أمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يقوله لهم.
قوله تعالى : « هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ » أي يوم الجزاء والنزل ما يقدم للضيف النازل من طعام وشراب إكراما له ، والمعنى : هذا الذي ذكر من طعامهم وشرابهم هو نزل الضالين المكذبين ففي تسمية ما أعد لهم بالنزل نوع تهكم ، والآية من كلامه تعالى خطابا للنبي صلىاللهعليهوآله ، ولو كان من كلام النبي صلىاللهعليهوآله خطابا لهم لقيل : هذا نزلكم.
( بحث روائي )
في الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت إذا وقعت الواقعة ذكر فيها « ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ » قال عمر : يا رسول الله ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : تعال واستمع ما قد أنزل الله ـ « ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ».
ألا وإن من آدم إلى ثلة وأمتي ثلة ـ ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان رعاة الإبل ـ ممن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قال السيوطي وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عروة بن رويم مرسلا وفيه ، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما نزلت « ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ » حزن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالوا : إذن لا يكون من أمة محمد إلا قليل