الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ » الروم : ٤١.
ومن هنا ظهر أن إرادة العلو من مصاديق إرادة الفساد وإنما أفردت وخصت بالذكر اعتناء بأمرها ، ومحصل المعنى : تلك الدار الآخرة السعيدة تخصها بالذين لا يريدون فسادا في الأرض بالعلو على عباد الله ولا بأي معصية أخرى.
والآية عامة يخصصها قوله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » النساء : ٣١.
وقوله : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » أي العاقبة المحمودة الجميلة وهي الدار الآخرة السعيدة أو العاقبة السعيدة في الدنيا والآخرة لكن سياق الآيتين يؤيد الأول.
قوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » أي لأنها تتضاعف له بفضل من الله ، قال تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » الأنعام : ١٦٠.
قوله تعالى : « وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ » أي لا يزيدون على ما عملوا شيئا وفيه كمال العدل ، كما أن في جزاء الحسنة بخير منها كمال الفضل.
وكان مقتضى الظاهر في قوله : « فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا » إلخ ، الإضمار ولعل في وضع الموصول موضع الضمير إشارة إلى أن هذا الجزاء إنما هو لمن أكثر من اقتراف المعصية وأحاطت به الخطيئة كما يفيده جمع السيئات ، وقوله : « كانُوا يَعْمَلُونَ » الدال على الإصرار والاستمرار ، وأما من جاء بالسيئة والحسنة فمن المرجو أن يغفر الله له كما قال : « وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » التوبة : ١٠٢.
وليعلم أن الملاك في الحسنة والسيئة على الأثر الحاصل منها عند الإنسان وبها تسمى الأعمال حسنة أو سيئة وعليها ـ لا على متن العمل الخارجي الذي هو نوع من الحركة ـ يثاب الإنسان أو يعاقب ، قال تعالى : « وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ » البقرة : ٢٨٤.
وبه يظهر الجواب عما استشكل على إطلاق الآية بأن التوحيد حسنة ولا يعقل خير منه وأفضل ، فالآية إما خاصة بغير الاعتقادات الحقة أو مخصصة بالتوحيد.