وقوله : « تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ » تبر منهم مطلقا حيث لم يكن لهم أن يلجئوهم ويسلبوا منهم الاختيار ، وقوله « ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ » أي بإلجاء منا ، أو لتبرينا من أعمالهم فإن من تبرأ من عمل لم ينتسب إليه وإلى هذا المعنى يئول قوله تعالى في مواضع من كلامه في وصف هذا الموقف : « وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ » الأنعام : ٢٤ « وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ » حم السجدة : ٤٨ « وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ » يونس : ٢٨ إلى غير ذلك من الآيات فافهم.
وقيل : المعنى تبرأنا إليك من أعمالهم ما كانوا إيانا يعبدون بل كانوا يعبدون أهواءهم أو كانوا يعبدون الشياطين. ولا يخلو من سخافة.
ولكون كل من قوليه : « تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ » « ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ » في معنى قوله : « أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا » جيء بالفصل من غير عطف.
قوله تعالى : « وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ » المراد بشركائهم الآلهة التي كانوا شركاء لله بزعمهم ولذا أضافهم إليهم. والمراد بدعوتهم دعوتهم إياهم لينصروهم ويدفعوا عنهم العذاب ولذا قال : « وَرَأَوُا الْعَذابَ » بعد قوله : « فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ».
وقوله : « لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ » قيل : جواب لو محذوف لدلالة الكلام عليه والتقدير لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب أي اعتقدوا أن العذاب حق ، ويمكن أن يكون لو للتمني أي ليتهم كانوا يهتدون.
قوله تعالى : « وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ » معطوف على قوله السابق : « وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ » إلخ ، سئلوا أولا : عن شركائهم وأمروا أن يستنصروهم ، وثانيا : عن جوابهم للمرسلين إليهم من عند الله.
والمعنى : ما ذا قلتم في جواب من أرسل إليكم من رسل الله فدعوكم إلى الإيمان والعمل الصالح؟.
قوله تعالى : « فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ » العمى استعارة عن
( ١٦ ـ الميزان ـ ٥ )