على أن الذي يؤثرونه على اتباع الهدى إنما هو متاع الحياة الدنيا العاجلة ولا يختاره عاقل على الحياة الآخرة الخالدة التي عند الله سبحانه.
على أن الخلق والأمر لله فإذا اختار شيئا وأمر به فليس لأحد أن يخالفه إلى ما يشتهيه لنفسه فيختار ما يميل إليه طبعه ثم استشهد تعالى بقصة قارون وخسفه به وبداره الأرض.
قوله تعالى : « وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا » إلى آخر الآية. التخطف الاختلاس بسرعة ، وقيل الخطف والتخطف الاستلاب من كل وجه ، وكان تخطفهم من أرضهم استعارة أريد به القتل والسبي ونهب الأموال كأنهم وما يتعلق بهم من أهل ومال يؤخذون فتخلو منهم أرضهم ، والمراد بالأرض أرض مكة والحرم بدليل قوله بعد : « أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً » والقائل بعض مشركي مكة.
والجملة مسوقة للاعتذار عن الإيمان بأنهم إن آمنوا تخطفتهم العرب من أرضهم أرض مكة لأنهم مشركون لا يرضون بإيمانهم ورفض أوثانهم فهو من قبيل إبداء المانع ففيه اعتراف بحقية أصل الدعوة وأن الكتاب بما يشتمل عليه حق لكن خطر التخطف مانع من قبوله والإيمان به ، ولهذا عبر بقوله : « إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ » ولم يقل : إن نتبع كتابك أو دينك أو ما يقرب من ذلك.
وقوله : « أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً » قيل : التمكين مضمن معنى الجعل والمعنى أولم نجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم ، وقيل : حرما منصوبا على الظرفية والمعنى : أولم نمكن لهم في حرم ، و « آمِناً » صفة « حَرَماً » أي حرما ذا أمن ، وعد الحرم ذا أمن ـ والمتلبس بالأمن أهله ـ من المجاز في النسبة ، والجملة معطوفة على محذوف والتقدير أولم نعصمهم ونجعل لهم حرما آمنا ممكنين إياهم.
وهذا جواب أول منه تعالى لقولهم : « إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا » ومحصله : أنا مكناهم في أرض جعلناها حرما ذا أمن تحترمه العرب فلا موجب لخوفهم أن يتخطفوا منها أن آمنوا.
وقوله : « يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ » الجباية الجمع ، والكل للتكثير لا للعموم لعدم إرادة العموم قطعا ، والمعنى : يجمع إلى الحرم ثمرات كثير من الأشياء ، والجملة