وقوله : « وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » إلخ الدرء الدفع ، والمراد بالحسنة والسيئة قيل : الكلام الحسن والكلام القبيح ، وقيل : العمل الحسن والسيئ وهما المعروف والمنكر ، وقيل : الخلق الحسن والسيئ وهما الحلم والجهل ، وسياق الآيات أوفق للمعنى الأخير فيرجع المعنى إلى أنهم يدفعون أذى الناس عن أنفسهم بالمدارأة ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ » إلخ ، المراد باللغو لغو الكلام بدليل تعلقه بالسمع ، والمراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب وكل ما فيه خشونة ، ولذا لما سمعوه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله وقالوا : ( لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ) وهو متاركة ، وقوله : « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » أي أمان منا لكم ، وهو أيضا متاركة وتوديع تكرما كما قال تعالى : « وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ».
وقوله : « لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ » أي لا نطلبهم بمعاشرة ومجالسة ، وفيه تأكيد لما تقدمه ، وهو حكاية عن لسان حالهم إذ لو تلفظوا به لكان من مقابلة السيئ بالسيئ.
قوله تعالى : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » المراد بالهداية الإيصال إلى المطلوب ومرجعه إلى إفاضة الإيمان على القلب ومعلوم أنه من شأنه تعالى لا يشاركه فيه أحد ، وليس المراد بها إراءة الطريق فإنه من وظيفة الرسول لا معنى لنفيه عنه ، والمراد بالاهتداء قبول الهداية.
لما بين في الآيات السابقة حرمان المشركين وهم قوم النبي صلىاللهعليهوآله من نعمة الهداية وضلالهم باتباع الهوى واستكبارهم عن الحق النازل عليهم وإيمان أهل الكتاب به واعترافهم بالحق ختم القول في هذا الفصل من الكلام بأن أمر الهداية إلى الله لا إليك يهدي هؤلاء وهم من غير قومك الذين تدعوهم ولا يهدي هؤلاء وهم قومك الذين تحب اهتداءهم وهو أعلم بالمهتدين.
( بحث روائي )
في الدر المنثور ، أخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي