مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ » كلام منهم وارد مورد الاستهزاء يعرفون فيه النبي صلىاللهعليهوآله بعضهم لبعض بالقول بالمعاد.
والتمزيق التقطيع والتفريق ، وكونهم في خلق جديد استقرارهم فيه أي تجديد خلقتهم بإحيائهم بعد موتهم ووجودهم ثانيا بعد عدمهم ، وقوله : « إِذا مُزِّقْتُمْ » ظرف لقوله : « إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ».
والمعنى : وقال الذين كفروا بعضهم لبعض على طريق الاستهزاء بالنبي صلىاللهعليهوآله لإنذاره إياهم بالبعث والجزاء : هل ندلكم على رجل والمراد به النبي صلىاللهعليهوآله ينبئكم ويخبركم أنكم ستستقرون في خلق جديد ويتجدد لكم الوجود إذا فرقت أبدانكم كل التفريق وقطعت بحيث لا يتميز شيء منها من شيء.
قوله تعالى : « أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ » إلخ ، الاستفهام للتعجيب فإن القول ببعث الأجساد بعد فنائها عجيب عندهم لا يقول به عاقل إلا لتلبيس الأمر على الناس وإضلالهم لينال بعض ما عندهم وإلا فكيف يلتبس فيه الأمر على عاقل ، ولهذا رددوا الأمر بين الافتراء والجنة في الاستفهام والمعنى : أهو عاقل يكذب على الله افتراء عليه بالقول بالبعث أم به نوع جنون يتفوه بما بدا له من غير فكر مستقيم.
وقوله : « بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ » رد لقولهم وإضراب عن الترديد الذي أتوا به مستفهمين ، ومحصله أن ذلك ليس افتراء على الله ولا جنون فيه بل هؤلاء الكفار مستقرون في عذاب سيظهر لهم وقد أبعدهم ذلك عن الحق فكانوا في ضلال بعيد لا يسعهم مع ذلك أن يعقلوا الحق ويذعنوا به.
ووضع الموصول موضع الضمير في قوله : « بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ » للدلالة على أن علة وقوعهم فيما وقعوا فيه من العذاب والضلال عدم إيمانهم بالآخرة.
قوله تعالى : « أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ » إلخ ، وعظ وإنذار لهم باستعظام ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات الله والاستهزاء برسوله فالمراد بقوله : « ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » إحاطة السماء والأرض بهم من بين أيديهم ومن خلفهم فأينما نظروا وجدوا سماء تظلهم وأرضا تقلهم لا مفر لهم منهما.