قوله تعالى : « فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ » إلى آخر الآية. ضمير إحداهما للمرأتين ، وتنكير الاستحياء للتفخيم والمراد بكون مشيها على استحياء ظهور التعفف من مشيتها ، وقوله : « لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا » ما مصدرية أي ليعطيك جزاء سقيك لنا ، وقوله : « فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ » إلخ يلوح إلى أن شعيبا استفسره حاله فقص عليه قصته فطيب نفسه بأنه نجا منهم إذ لا سلطان لهم على مدين.
وعند ذلك تمت استجابته تعالى لموسى عليهالسلام أدعيته الثلاثة فقد كان سأل الله تعالى عند خروجه من مصر أن ينجيه من القوم الظالمين فأخبره شعيب عليهالسلام بالنجاة وترجى أن يهديه سواء السبيل وهو في معنى الدعاء فورد مدين ، وسأله الرزق فدعاه شعيب ليجزيه أجر ما سقى وزاد تعالى فكفاه رزق عشر سنين ووهب له زوجا يسكن إليها.
قوله تعالى : « قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » إطلاق الاستيجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم.
وقوله : « إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ » إلخ ، في مقام التعليل لقوله : « اسْتَأْجِرْهُ » وهو من وضع السبب موضع المسبب والتقدير استأجره لأنه قوي أمين وخير من استأجرت هو القوي الأمين.
وفي حكمها بأنه قوي أمين دلالة على أنها شاهدت من نحو عمله في سقي الأغنام ما استدلت به على قوته وكذا من ظهور عفته في تكليمهما وسقي أغنامهما ثم في صحبته لها عند ما انطلق إلى شعيب حتى أتاه ما استدلت به على أمانته.
ومن هنا يظهر أن هذه القائلة : « يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ » إلخ ، هي التي جاءته وأخبرته بدعوة أبيها له كما وردت به روايات أئمة أهل البيت عليهالسلام وذهب إليه جمع من المفسرين.
قوله تعالى : « قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ » إلخ ، عرض من شعيب لموسى عليهالسلام أن يأجره نفسه ثماني سنين أو عشرا