لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » فإن انضمام هذه الجملة إلى الجملة قبلها يفيد أن الأنعام ـ على كونها مما رزقهم الله وقد أحلها لهم ـ فيها حرمة إلهية وهي التي يدل عليها الاستثناء ـ إلا ما يتلى عليكم ـ.
والمراد بقوله « ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » استمرار التلاوة ، فإن محرمات الأكل نزلت في سورة الأنعام وهي مكية وفي سورة النحل وهي نازلة في آخر عهده صلىاللهعليهوآله بمكة وأول عهده بالمدينة ، وفي سورة البقرة وقد نزلت في أوائل الهجرة بعد مضي ستة أشهر منها ـ على ما روي ـ ولا موجب لجعل « يُتْلى » للاستقبال وأخذه إشارة إلى آية سورة المائدة كما فعلوه.
والآيات المتضمنة لمحرمات الأكل وإن تضمنت منها عدة أمور كالميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله إلا أن العناية في الآية بشهادة سياق ما قبلها وما بعدها بخصوص ما أهل به لغير الله فإن المشركين كانوا يتقربون في حجهم ـ وهو السنة الوحيدة الباقية بينهم من ملة إبراهيم ـ بالأصنام المنصوبة على الكعبة وعلى الصفا وعلى المروة وبمنى ويهلون بضحاياهم لها فالتجنب منها ومن الإهلال بذكر أسمائها هو الغرض المعنى به من الآية وإن كان أكل الميتة والدم ولحم الخنزير أيضا من جملة حرمات الله.
ويؤيد ذلك أيضا تعقيب الكلام بقوله : « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ » فإن اجتناب الأوثان واجتناب قول الزور وإن كانا من تعظيم حرمات الله ولذلك تفرع « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ » على ما تقدمه من قوله : « وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ » لكن تخصيص هاتين الحرمتين من بين جميع الحرمات في سياق آيات الحج بالذكر ليس إلا لكونهما مبتلى بهما في الحج يومئذ وإصرار المشركين على التقرب من الأصنام هناك وإهلال الضحايا باسمها.
وبذلك يظهر أن قوله : « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ » نهي عام عن التقرب إلى الأصنام وقول الباطل أورد لغرض التقرب إلى الأصنام في عمل الحج كما كانت عادة المشركين جارية عليه ، وعن التسمية باسم الأصنام على الذبائح من الضحايا ، وعلى ذلك يبتني التفريع بالفاء.
وفي تعليق حكم الاجتناب أولا بالرجس ثم بيانه بقوله : « مِنَ الْأَوْثانِ » إشعار بالعلية كأنه قيل : اجتنبوا الأوثان لأنها رجس وفي تعليقه بنفس الأوثان دون عبادتها