باطل ويعمل به وإذ كان الشيطان هو الذي يهدي الإنسان إلى الباطل والإنسان إنما يميل إليه بإغوائه فهو يتبع في كل ما يعتقده ويعمل به الشيطان فقد وضع اتباع الشيطان في الآية موضع الاعتقاد والعمل للدلالة على الكيفية وليبين في الآية التالية أنه ضال عن طريق الجنة سألك إلى عذاب السعير.
وقد قال تعالى : « وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ » ولم يقل : ويتبع الشيطان المريد وهو إبليس للدلالة على تلبسه بفنون الضلال وأنواعه فإن أبواب الباطل مختلفة وعلى كل باب شيطانا من قبيل إبليس وذريته وهناك شياطين من الإنس يدعون إلى الضلال فيقلدهم أولياؤهم الغاوون ويتبعونهم وإن كان كل تسويل ووسوسة منتهيا إلى إبليس لعنه الله.
والكلمة أعني قوله : « وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ » مع ذلك كناية عن عدم انتهائه في اتباع الباطل إلى حد يقف عليه لبطلان استعداده للحق وكون قلبه مطبوعا عليه فهو في معنى قوله : « وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً » الأعراف : ١٤٦.
قوله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ » التولي أخذه وليا متبعا ، وقوله : « فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ » إلخ. مبتدأ محذوف الخبر ، والمعنى ويتبع كل شيطان مريد من صفته أنه كتب عليه أن من اتخذه وليا واتبعه فإضلاله له وهدايته إياه إلى عذاب السعير ثابت لازم.
والمراد بكتابته عليه القضاء الإلهي في حقه بإضلاله متبعيه أولا وإدخاله إياهم النار ثانيا ، وهذان القضاءان هما اللذان إشارة إليهما في قوله : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ » الحجر : ٤٣ وقد تقدم الكلام في توضيح ذلك في الجزء الثاني عشر من الكتاب.
وبما تقدم يظهر ضعف ما قيل : إن المعنى من تولى الشيطان فإن الله يضله إذ لا شاهد من كلامه تعالى على هذه الكتابة المدعاة وإنما المذكور في كلامه تعالى القضاء بتسليط إبليس على من تولاه واتبعه كما تقدم.
على أن لازمه اختلاف الضمائر ورجوع ضمير « فَأَنَّهُ » إلى ما لم يتقدم ذكره من