الزبور بعد الذكر على هذا القول بعدية رتبية لا زمانية وقيل : هو اللوح المحفوظ وهو كما ترى.
وقوله : « أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » الوراثة والإرث على ما ذكره الراغب انتقال قنية إليك من غير معاملة.
والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم ، وهذه البركات إما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا كالتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدى الآية أن الأرض ستطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئا كما يشير إليه قوله تعالى : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ـ إلى قوله ـ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » النور : ٥٥.
وإما أخروية وهي مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا فإنها من بركات الحياة الأرضية وهي نعيم الآخرة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة : « وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ » الزمر : ٧٤ وقوله : « أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ » المؤمنون : ١١.
ومن هنا يظهر أن الآية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين كما فعلوه فهم بين من يخصها بالوراثة الأخروية تمسكا بما يناسبها من الآيات ، وربما استدلوا لتعينه بأن الآية السابقة تذكر الإعادة ولا أرض بعد الإعادة حتى يرثها الصالحون ، ويرده أن كون الآية معطوفة على سابقتها غير متعين فمن الممكن أن تكون معطوفة على قوله السابق : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ » كما سنشير إليه.
وبين من يخصها بالوراثة الدنيوية ويحملها على زمان ظهور الإسلام أو ظهور المهدي عليهالسلام الذي أخبر به النبي صلىاللهعليهوآله في الأخبار المتواترة المروية من طرق الفريقين ، ويتمسك لذلك بالآيات المناسبة له التي أومأنا إلى بعضها.
وبالجملة الآية مطلقة تعم الوراثتين جميعا غير أن الذي يقتضيه الاعتبار بالسياق أن تكون معطوفة على قوله السابق : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ » إلخ.