وإن أريد به ما في علم الله من معانيها الحقة كان كعلمه تعالى بكل شيء حق قديما بقدمه فالقرآن قديم أي علمه تعالى به قديم كما أن زيدا الحادث قديم أي علمه تعالى به.
ومن هنا يظهر أن البحث عن قدم القرآن وحدوثه بما أنه كلام الله مما لا جدوى فيه فإن القائل بالقدم إن أراد به أن المقروء من الآيات بما أنها أصوات مؤلفة دالة على معانيها قديم غير مسبوق بعدم فهو مكابر ، وإن أراد به أنه في علمه تعالى وبعبارة أخرى علمه تعالى بكتابه قديم فلا موجب لإضافة علمه إليه ثم الحكم بقدمه بل علمه بكل شيء قديم بقدم ذاته لكون المراد بهذا العلم هو العلم الذاتي.
على أنه لا موجب حينئذ لعد الكلام صفة ثبوتية ذاتية أخرى له تعالى وراء العلم لرجوعه إليه ولو صح لنا عد كل ما ينطبق بحسب التحليل على بعض صفاته الحقيقية الثبوتية صفة ثبوتية له لم ينحصر عدد الصفات الثبوتية بحاصر لجواز مثل هذا التحليل في مثل الظهور والبطون والعظمة والبهاء والنور والجمال والكمال والتمام والبساطة ، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
والذي اعتبره الشرع وورد من هذا اللفظ في القرآن الكريم ظاهر في المعنى الأول المذكور مما لا تحليل فيه كقوله تعالى : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ » البقرة : ٢٥٣ ، وقوله : « وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً » النساء : ١٦٤ ، وقوله : « وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ » البقرة : ٧٥ ، وقوله : « يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ » المائدة : ١٣ ، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما ما ذكره بعضهم أن هناك كلاما نفسيا قائما بنفس المتكلم غير الكلام اللفظي وأنشد في ذلك قول الشاعر :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
والكلام النفسي فيه تعالى هو الموصوف بالقدم دون الكلام اللفظي.
ففيه أنه إن أريد بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلمية التي تنطبق على لفظه عاد معناه إلى العلم ولم يكن أمرا يزيد عليه وصفة مغايرة له وإن أريد به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناها.
وأما ما أنشد من الشعر في بحث عقلي فلا ينفعه ولا يضرنا ، والأبحاث العقلية أرفع مكانة من أن يصارع فيها الشعراء.