حية وتلقف ما صنعوا بالسحر والتعبير عن العصا بما في يمينك من ألطف التعبير
وأعمقه فإن فيه إشارة إلى أن ليس للشيء من الحقيقة إلا ما أراد الله فإن أراد لما
في اليمين أن يكون عصا كان عصا وإن أراد أن يكون حية كان حية فما له من نفسه شيء
ثم التعبير عن حياتهم وثعابينهم بقوله : « ما صَنَعُوا » يشير إلى أن المغالبة واقعة بين تلك القدرة المطلقة
التي تتبعها الأشياء في أساميها وحقائقها وبين هذا الصنع البشري الذي لا يعدو أن
يكون كيدا باطلا وكلمة الله هي العليا والله غالب على أمره فلا ينبغي له أن يخاف.
وفي هذه الجملة
أعني قوله : « وَأَلْقِ
ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا » بيان لكونه عليهالسلام أعلى بحسب ظاهر الحس كما أن في ذيله بيانا لكونه أعلى
بحسب الحقيقة إذ لا حقيقة للباطل فمن كان على الحق فلا ينبغي له أن يخاف الباطل
على حقه.
وقوله : « إِنَّما صَنَعُوا
كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » تعليل بحسب اللفظ لقوله : « تَلْقَفْ ما صَنَعُوا » و «
ما » مصدرية أو
موصولة وبيان بحسب الحقيقة لكونه عليهالسلام أعلى لأن ما معهم كيد ساحر لا حقيقة له وما معه آية
معجزة ذات حقيقة والحق يعلو ولا يعلى عليه.
وقوله : « وَلا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » بمنزلة الكبرى لقوله : «
إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ » فإن الذي يناله الساحر بسحره خيال من الناظرين باطل لا
حقيقة له ولا فلاح ولا سعادة حقيقية يظفر بها في أمر موهوم لا واقع له.
فقوله : « وَلا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » نظير قوله : «
إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » الأنعام : ١٤٤ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
» المائدة : ١٠٨ ،
وغيرهما والجميع من فروع «
إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً » الإسراء : ٨١ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ
بِكَلِماتِهِ » الشورى : ٢٤ ، فلا يزال الباطل يزين أمورا ويشبهها بالحق ولا يزال الحق
يمحوه ويلقف ما أظهره لوهم الناظرين سريعا أو بطيئا فمثل عصا موسى وسحر السحرة
يجري في كل باطل يبدو وحق يلقفه ويزهقه ، وقد تقدم في تفسير قوله : « أَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها » الرعد : ١٧ ، كلام نافع في المقام.
قوله
تعالى : « فَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى » في الكلام حذف وإيجاز والتقدير فألقى ما في يمينه
فتلقف ما صنعوا فألقي السحرة وفي التعبير