قدرنا ثم اعترض على أخذ القدر بمعنى المقدار بأن المعروف من القدر بهذا المعنى هو ما كان بسكون الدال لا بفتحها وفيه أن القدر والقدر بسكون الدال وفتحها ـ كما صرحوا به كالنعل والنعل بمعنى واحد. على أن القدر بمعنى المقدار كما قدمناه ـ أكثر ملاءمة للسياق أو متعين. وذكر لمجيئه على مقدار بعض معان أخر وهي سخيفة لا جدوى فيها.
وختم ذكر المن بنداء موسى عليهالسلام زيادة تشريف له.
قوله تعالى : « وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي » الاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الإحسان ـ على ما ذكروا ـ يقال : صنعه أي أحسن إليه واصطنعه أي حقق إحسانه إليه وثبته فيه ، ونقل عن القفال أن معنى الاصطناع أنه يقال : اصطنع فلان فلانا إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال : هذا صنيع فلان وخريجه. انتهى.
وعلى هذا يئول معنى اصطناعه إياه إلى إخلاصه تعالى إياه لنفسه ويظهر موقع قوله : « لِنَفْسِي » أتم ظهور وأما على المعنى الأول فالأنسب بالنظر إلى السياق أن يكون الاصطناع مضمنا معنى الإخلاص ، والمعنى على أي حال وجعلتك خالصا لنفسي فيما عندك من النعم فالجميع مني وإحساني ولا يشاركني فيك غيري فأنت لي مخلصا وينطبق ذلك على قوله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً » مريم : ٥١.
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم : المراد بالاصطناع الاختيار ، ومعنى اختياره لنفسه جعله حجة بينه وبين خلقه كلامه كلامه ودعوته دعوته وكذا قول بعضهم إن المراد بقوله : « لِنَفْسِي » لوحيي ورسالتي ، وقول آخرين : لمحبتي ، كل ذلك من قبيل التقييد من غير مقيد.
ويظهر أيضا أن اصطناعه لنفسه منظوم في سلك المنن المذكورة بل هو أعظم النعم ومن الممكن أن يكون معطوفا على قوله : « جِئْتَ عَلى قَدَرٍ » عطف تفسير.
والاعتراض على هذا المعنى بأن توسيط النداء بينه وبين المنن المذكورة لا يلائم كونه منظوما في سلكها ـ على ما ذكر الفخر الرازي في تفسيره ، ـ فالأولى جعله تمهيدا لإرساله إلى فرعون مع شركة من أخيه في أمره.
وفيه أن توسيط النداء لا ينحصر وجهه فيما ذكر فلعل الوجه فيه تشريفه بمزيد