* قال الأخفش : والمَجْرَى فى الشعر : حركة حرف الرَّوِىّ : فتحته وضمَّته وكسرته ، وليس فى الرَّوِىّ المقيَّد مجرًى ؛ لأنه لا حركة فيه فتسمَّى مجرى ، وإنما سمِّى ذلك مَجْرًى لأنه موضع جَرْى حركات الإعراب والبناء.
* والمجارِى : أواخر الكلم ؛ وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك.
قال ابن جنى : سمّى بذلك لأن الصوت يبتدئ بالجَرَيان فى حروف الوصل منه ، ألا ترى أنك إذا قلت :
*قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا* (١)
فالفتحة فى العين هى ابتداء جَرَيان الصوت فى الألف ، وكذلك قولك :
*يا دارمَيَّة بالعلياء فالسَّندِى* (٢)
تجد كسرة الدال هى ابتداء جَرَيان الصوت فى الياء ، وكذلك قوله :
*هريرةُ ودعها وإن لام لائمو* (٣)
تجد ضمَّة الميم منها ابتداء جَرَيان الصوت فى الواو ، فأمَّا قول سيبويه : هذا باب مجارِى أواخِر الكلم من العربية ، وهى تجرى على ثمانية مجارٍ. فلم يقْصُر المجارى هنا على الحركات فقط كما قَصَر العروضيّون المَجْرَى فى القافية على حركة حرف الروىّ دون سكونه ، لكن غرض صاحب الكتاب فى قوله : مجارى أواخر الكلم : أى أحوال أواخر الكلم وأحكامها والصور التى تتشكل لها ، فإذا كانت أحوالا وأحكاما فسكون الساكن حال له ، كما أن حركة المتحرك حال له أيضا ، فمن هنا سقط تعقّب من تتبَّعه فى هذا الموضع فقال : كيف ذكر الوقف والسكون فى المجارى ، وإنما المجارى ـ فيما ظنَّه ـ الحركات ، وسبب ذلك خفاء غرض صاحب الكتاب عليه ، وكيف يجوز أن يسلَّط الظنّ على أقلّ أتْباع سيبويه فيما يَلْطُف عن هذا الجَلِىّ الواضح فضلا عنه نفسه فيه ، أفتراه يريد الحركة ويذكر السكون؟ هذه غباوة ممن أوردها ، وضعف نظر وطريقة دلَّ على سلوكه إياها. قال : أو لم يسمع هذا المتتبّع بهذا القدر قول الكافة : أنت تجرى عندى مجرى فلان ، وهذا جارٍ مجرى هذا. فهل يراد بذلك ، أنت تتحرّك عندى بحركته ، أو يراد : صورتك عندى صورته ،
__________________
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ٢٤٢ ؛ وليزيد بن الطثريَّة فى الكتاب (٤ / ٢٠٥) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (جرا).
(٢) صدر بيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٤ ؛ وتهذيب اللغة (٨ / ٣٥٣ ، ١٢ / ٢٦٦ ، ١٥ / ٦٦٨).
(٣) صدر بيت للأعشى فى ديوانه ص ١٢٧ ؛ ولسان العرب (حلل) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (جرا) ؛ وجمهرة اللغة ص ٤٥٨. وعجزه : *غداة غد أم أنت للبين واجم*.