لم يَكُ الحقُّ سِوَى أنْ هاجه |
|
رَسْمُ دارٍ قد تعَفَّى بالسَّرَر (١) |
إنما أراد : لم يكن الحقُّ فحذف النون لالتقاء الساكنين ، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعا تُحرّك فيه فتقوى بالحركة ألَّا يَحذفها ؛ لأنها بحركتها قد فارقت شَبَه حروف اللين إذ كنّ لا يكنَ إلا سواكِنَ ، وحذفُ النون من «يكن» أقبح من حذف التنوين ، ونون التثنية والجمع ؛ لأن نون (يكن) أصل وهى لام الفعل ، والتنوين والنون زائدتان ، فالحذف منهما أسهل منه فى لام الفعل ، وحذفُ النون أيضا من (يكن) أقبح من حذف النون من قوله :
*غير الذى قد يقال مِلْكذِب* (٢)
لأن أصله يكن قد حُذِفت منه الواو لاتقاء الساكنين : فإذا حذفت منه النون أيضا لالتقاء الساكنين أجحفْتَ به لتوالى الحذفين ، لا سيّما من وجه واحد ، ولك أيضا أن تقول : إن «مِنْ» حرف والحذف فى الحرف ضعيف ، إلا مع التضعيف نحو : إنَّ وربَّ هذا قول ابن جنى. قال : وأرى أنا شيئا غير ذلك. وهو أن يكون جاء (بالحقّ) بعد ما حذف النون من يكن ، فصار : (يك) مثل قوله عزوجل : (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : ٩] فلّما قدَّره : (يَكُ) جاء (بالحق) بعد ما جاز الحذف فى النون وهى ساكنة تخفيفا ، فبقى محذوفا بحاله. فقال : (لم يكُ الحقُّ) ولو قدَّره : «يكن» فبقى محذوفا ثم جاء بالحق لوجب أن يَكْسِر لالتقاء الساكنين فتقوى بالحركة فلا يجد سبيلا إلى حذفها إلا مُسْتكرَها ، فكان يجب أن يقول : لم يكنِ الحقُ. ومثله قول الخَنْجَر بن صَخْر الأسَدِىّ :
فإلَّا تكُ المِرآةُ أبدت وَسَامة |
|
فقد أبدتِ المرآةُ جَبْهة ضَيْغَمِ (٣) |
يريد : فإلّا تكن المرآة. والكائنة : الحادثة. وحَكَى سيبويه : أنا أعرفك مذ كُنْتَ : أى مذ خُلِقْتَ ، والمعنيان متقاربان. وكوَّن الشىءَ : أحدثه. والله مُكوِّن الأشياء : يخرِجها من العَدَم إلى الوجود. وبات بكِينة سَوْء : أى بحالة سَوْء.
__________________
(١) البيت لحسين (أو الحسن كما فى لسان العرب) ، ابن عرفُطه فى لسان العرب (كون).
(٢) عجز بيت للقيط بن زرارة فى شرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٨ ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (ألك) ، (لكن) ، (منن).
(٣) البيت للخنجر بن صخر الأسدىّ فى خزانة الأدب (٩ / ٣٠٤) ؛ ولسان العرب (كون).