إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ١١ ]

7/390
*

الإشارة إلى ما تقدم من أنباء القرى ، وذلك بعض مصاديق أخذه تعالى بالعقوبة قاس به مطلق أخذه القرى في أنه أليم شديد ، وهذا من قبيل التشبيه الكلي ببعض مصاديقه في الحكم للدلالة على أن الحكم عام شامل لجميع الأفراد وهو نوع من فن التشبيه شائع وقوله : « إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ » بيان لوجه الشبه وهو الألم والشدة.

والمعنى كما أخذ الله سبحانه هؤلاء الأمم الظالمة : قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون أخذا أليما شديدا ، كذلك يأخذ سائر القرى الظالمة إذا أخذها فليعتبر بذلك المعتبرون.

قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ » إلى آخر الآية الإشارة إلى ما أنبأه الله من قصص تلك القرى الظالمة التي أخذها بظلمها أخذا أليما شديدا. وأنبأ أن أخذه كذلك يكون ، وفي ذلك آية لمن خاف عذاب الحياة الآخرة وعلامة تدل على أن الله سبحانه وتعالى سيأخذ في الآخرة المجرمين بأجرامهم ، وإن أخذه سيكون أليما شديدا فيوجب اعتباره بذلك وتحرزه مما يستتبع سخط الله تعالى.

وقوله : « ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ » أي ذلك اليوم الذي يقع فيه عذاب الآخرة يوم مجموع له الناس فالإشارة إلى اليوم الذي يدل عليه ذكر عذاب الآخرة ، « ولذلك أتي بلفظ المذكر » كما قيل ، ويمكن أن يكون تذكير الإشارة ليطابق المبتدأ الخبر.

ووصف اليوم الآخر بأنه مجموع له الناس دون أن يقال. سيجمع أو يجمع له الناس إنما هو للدلالة على أن جمع الناس له من أوصافه المقضية له التي تلزمه ولا تفارقه من غير أن يحتاج إلى الإخبار عنه بخبر.

فمشخص هذا اليوم أن الناس مجموعون لأجله ـ واللام للغاية ـ فلليوم شأن من الشأن لا يتم إلا بجمع الناس بحيث لا يغادر منهم أحد ولا يتخلف عنه متخلف : وللناس شأن من الشأن يرتبط به كل واحد منهم بالجميع ، ويمتزج فيه الأول مع الآخر والآخر مع الأول ويختلط فيه الكل بالبعض والبعض بالكل ، وهو حساب أعمالهم من جهة الإيمان والكفر والطاعة والمعصية ، وبالجملة من حيث السعادة والشقاوة.

فإن من الواضح أن العمل الواحد من إنسان واحد يرتضع من جميع أعماله السابقة المرتبطة بأحواله الباطنة ، ويرتضع منه جميع أعماله اللاحقة المرتبطة أيضا بما له من