الأمر بإظهار الثبات على العبودية ولزوم القيام بحقها ، ثم نهى عن تعدي هذا الطور والاستكبار عن الخضوع لله والخروج بذلك عن زي العبودية فقيل : « وَلا تَطْغَوْا » كما فعل ذلك الأمم الماضية ، ولم يكونوا مبتلين إلا بالإفراط دون التفريط والاستكبار دون التذلل.
وقوله : « وَمَنْ تابَ مَعَكَ » عطف على الضمير المستكن في « فَاسْتَقِمْ » أي استقم أنت ومن تاب معك أي استقيموا جميعا وإنما أخرج النبي صلىاللهعليهوآله من بينهم وأفرده بالذكر معهم تشريفا لمقام النبوة ، وعلى ذلك تجري سنته تعالى في كلامه كقوله تعالى : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ » : البقرة : ٢٨٥ وقوله : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » : التحريم : ٨.
على أن الأمر الذي تقيد به قوله : « فَاسْتَقِمْ » أعني قوله : « كَما أُمِرْتَ » يختص بالنبي صلىاللهعليهوآله ولا يشاركه فيه غيره فإن ما ذكر من مثل قوله : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ » « إلخ » خاص به فلو قيل : فاستقيموا لم يصح تقييده بالأمر السابق.
والمراد بمن تاب مع النبي المؤمنون الذين رجعوا إلى الله بالإيمان وإطلاق التوبة على أصل الإيمان ـ وهو رجوع من الشرك ـ كثير الورود في القرآن كقوله تعالى : « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » : المؤمن : ٧ إلى غير ذلك.
وقوله : « وَلا تَطْغَوْا » أي لا تتجاوزوا حدكم الذي خطته لكم الفطرة والخلقة وهو العبودية لله وحده كما تجاوزه الذين قبلكم فأفضاهم إلى الشرك وساقهم إلى الهلكة ، والظاهر أن الطغيان بهذا المعنى مأخوذ من طغى الماء إذا جاوز حده ، ثم أستعير لهذا الأمر المعنوي الذي هو طغيان الإنسان في حياته لتشابه الأثر وهو الفساد.
وقوله : « إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » تعليل لمضمون ما تقدمه ، ومعنى الآية اثبت على دين التوحيد والزم طريق العبودية من غير تزلزل وتذبذب ، وليثبت الذين آمنوا معك ، ولا تتعدوا الحد الذي حد لكم لأن الله بصير بما تعملون فيؤاخذكم لو خالفتم أمره.