تفريع لما تقدم من تفصيل قصص الأمم الماضية التي ظلموا أنفسهم باتخاذ الشركاء والفساد في الأرض فأخذهم الله بالعذاب ، والمشار إليهم بقوله : « هؤُلاءِ » هم قوم النبي صلىاللهعليهوآله ، وقوله : « ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ » أي إنهم يعبدونها تقليدا كآبائهم فالآخرون يسلكون الطريق الذي سلكه الأولون من غير حجة ، والمراد بنصيبهم ما هو حظهم قبال شركهم وفسقهم.
وقوله : « غَيْرَ مَنْقُوصٍ » حال من النصيب وفيه تأكيد لقوله : « لَمُوَفُّوهُمْ » فإن التوفية تأدية حق الغير بالتمام والكمال ، وفيه إيئاس الكافرين من العفو الإلهي.
ومعنى الآية : فإذا سمعت قصص الأولين وأنهم كانوا يعبدون آلهة من دون الله ويكذبون بآياته ، وعلمت سنة الله تعالى فيهم وأنها الهلاك في الدنيا والمصير إلى النار الخالدة في الآخرة لا تكن في شك ومرية من عبادة هؤلاء الذين هم قومك ما يعبدون إلا كعبادة آبائهم على التقليد من غير حجة ولا بينة ، وإنا سنعطيهم ما هو نصيبهم من جزاء أعمالهم من غير أن ننقص من ذلك شيئا بشفاعة أو عفو كيفما كان.
ويمكن أن يكون المراد بآبائهم ، الأمم الماضية الهالكة دون آباء العرب بعد إسماعيل مثلا وذلك أن الله سماهم آباء لهم أولين كما في قوله : « أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ » : المؤمنون : ٦٨ وهذا أنسب وأحسن والمعنى ـ على هذا ـ فلا تكن في شك من عبادة قومك ما يعبد هؤلاء إلا كمثل عبادة أولئك الأمم الهالكة الذين هم آباؤهم ، ولا شك أنا سنعطيهم حظهم من الجزاء كما فعلنا ذلك بآبائهم.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ » لما كانت هذه الآيات مسوقة للاعتبار بالقصص المذكورة في السورة ، وكانت القصص نفسها سردت ليتعظ بها القوم ويقضوا بالحق في اتخاذهم شركاء لله سبحانه ، وتكذيبهم بآيات الله ورمي القرآن بأنه افتراء على الله تعالى.
تعرض في هذه الآيات ـ المسوقة للاعتبار ـ لأمر اتخاذهم الآلهة وتكذيب القرآن فذكر تعالى أن عبادة القوم للشركاء كعبادة أسلافهم من الأمم الماضية لها وسينالهم العذاب كما نال أسلافهم وإن اختلافهم في كتاب الله كاختلاف أمة موسى عليهالسلام فيما آتاه الله من الكتاب وأن الله سيقضي بينهم فيما اختلفوا فيه ، فقوله : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ