قوله تعالى : « وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ » تأكيد لما في الآية السابقة من الوعيد القطعي ببيان نظائر له تدل على إمكان وقوعه أي لا يتوهمن متوهم أن هذا الذي نهددهم به وعيد خال لا دليل على وقوعه كما قالوا : « لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ » : النمل : ٦٨.
وذلك أنه قد استهزئ برسل من قبلك بالكفر وطلب الآيات كما كفر هؤلاء بدعوتك ثم اقترحوا عليك آية مع وجود آية القرآن فأمليت وأمهلت للذين كفروا ثم أخذتهم بالعذاب فكيف كان عقابي؟ أكان وعيدا خاليا لا شيء وراءه؟ أم كان أمرا يمكنهم أن يتقوه أو يدفعوه أو يتحملوه؟ فإذا كان ذلك قد وقع بهم فليحذر هؤلاء وفعالهم كفعالهم أن يقع مثله بهم.
ومن ذلك يظهر أن قولهم : إن الآية تسلية وتعزية للنبي صلىاللهعليهوآله في غير محله.
وقد بدل الاستهزاء في الآية ثانيا من الكفر إذ قيل : « لِلَّذِينَ كَفَرُوا » ولم يقل بالذين استهزءوا للدلالة على أن استهزاءهم كان استهزاء كفر كما أن كفرهم كان كفر استهزاء فهم الكافرون المستهزءون بآيات الله كالذين كفروا بالنبي صلىاللهعليهوآله وقالوا مستهزئين بالقرآن وهو آية : ( لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ).
قوله تعالى : « أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ » القائم على شيء هو المهيمن المتسلط عليه والقائم بشيء من الأمر هو الذي يدبره نوعا من التدبير والله سبحانه هو القائم على كل نفس بما كسبت أما قيامه عليها فلأنه محيط بذاتها قاهر عليها شاهد لها ، وأما قيامه بما كسبت فلأنه يدبر أمر أعمالها فيحولها من مرتبة الحركة والسكون إلى أعمال محفوظة عليها في صحائف الأعمال ثم يحولها إلى المثوبات والعقوبات في الدنيا والآخرة من قرب وبعد وهدى وضلال ونعمة ونقمة وجنة ونار.
والآية متفرعة على ما تقدمها أي إذا كان الله سبحانه يهدي من يشاء فيجازيه بأحسن الثواب ويضل من يشاء فيجازيه بأشد العقاب وله الأمر جميعا فهو قائم على كل نفس بما كسبت ومهيمن مدبر لنظام الأعمال فهل يعدله غيره حتى يشاركه في ألوهيته؟.