أيدي الناس ليذيقهم الله بعض ما عملوا لعلهم يرجعون.
وهذا المعنى كما لا يخفى إنما يتم في النوع دون الشخص ولذلك كان التلازم بين صلاح النوع والنعم العامة المفاضة عليهم ولا يجري في الأشخاص لأن الأشخاص ربما بطلت فيها الغايات بخلاف الأنواع فإن بطلان غاياتها من الكون يوجب اللعب في الخلقة قال تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ » : الدخان : ٣٨ وقد تقدم بعض الكلام في هذا الباب في أبحاث الأعمال في الجزء الثاني من الكتاب.
وبما تقدم يظهر فساد الاعتراض على الآية حيث إنها تفيد بظاهرها أنه لا يقع تغيير النعم بقوم حتى يقع تغيير منهم بالمعاصي مع أن ذلك خلاف ما قررته الشريعة من عدم جواز أخذ العامة بذنوب الخاصة هذا فإنه أجنبي عن مفاد الآية بالكلية.
هذا بعض ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة وللمفسرين في تفسيرها اختلاف شديد من جهات شتى :
من ذلك اختلافهم في مرجع الضمير في قوله : « لَهُ مُعَقِّباتٌ » فمن قائل : إن الضمير راجع إلى « مِنْ » في قوله : « مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ » إلخ ، كما قدمناه ، ومن قائل : إنه يرجع إليه تعالى أي لله ملائكة معقبات من بين يدي الإنسان ومن خلفه يحفظونه. وفيه أنه يستلزم اختلاف الضمائر. على أنه يوجب وقوع الالتفات في قوله : « مِنْ أَمْرِ اللهِ » من غير نكتة ظاهرة ، ومن قائل : إن الضمير للنبي صلىاللهعليهوآله والآية تذكر أن الملائكة يحفظونه. وفيه أنه كسابقه يستلزم اختلاف الضمائر والظاهر خلافه. على أنه يوجب عدم اتصال الآية بسوابقها ولم يتقدم للنبي ـ ص ذكر.
ومن قائل : إن الضمير عائد إلى من هو سارب بالنهار. وهذا أسخف الوجوه وسنعود إليه.
ومن ذلك اختلافهم في معنى المعقبات فقيل : إن أصله المعتقبات صار معقبات بالنقل والإدغام يقال : اعتقبه إذا حبسه واعتقب القوم عليه أي تعاونوا ورد بأنه خطأ ، وقيل : هو من باب التفعيل والتعقيب هو أن يتبع آخر في مشيته كأنه يطأ عقبه أي مؤخر قدمه فقيل : إن المعقبات ملائكة يعقبون الإنسان في مسيره إلى الله لا يفارقونه