عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » : المائدة : ١١٨.
ولهذه النكتة عبر تعالى عن مورد المغفرة بقوله : « لِلنَّاسِ » ولم يقل للمؤمنين أو للتائبين ونحو ذلك فلو التجأ أي واحد من الناس إلى رحمته وسأله المغفرة كان له أن يغفر له سواء في ذلك الكافر والمؤمن والمعاصي الكبيرة والصغيرة غير أن المشرك لو سأله أن يغفر له شركه انقلب بذلك مؤمنا غير مشرك ، والله سبحانه لا يغفر المشرك ما لم يعد إلى التوحيد قال تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ » : النساء : ٤٨.
فكان على هؤلاء الذين كفروا أن يسألوه تعالى ـ ويستعجلوا به ـ أن يغفر لهم شركهم أو ما يتفرع على شركهم من المعاصي بتقديم الإيمان به وبرسوله أو أن يسألوه العافية والبركة وخير المال والولد على كونهم ظالمين فإنه برحمته الواسعة يفعل ذلك حتى بمن لا يؤمن به ولا ينقاد له ، وأما الظلم حال ما يتلبس به الظالم فإن المغفرة لا تجامعه وقد قال تعالى : « وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » : الجمعة : ٥.
وثالثا : أن قوله : « لَذُو مَغْفِرَةٍ » ولم يقل : لغفور أو غافرة كأنه للتحرز من أن يدل على فعلية المغفرة لجميع الظالمين على ظلمهم كأنه قيل : عنده مغفرة للناس على ظلمهم لا يمنعه من إعمال هذه المغفرة عند المصلحة شيء.
ويمكن أن يستفاد من الجملة معنى آخر وهو أنه تعالى عنده مغفرة الناس له أن يغفر بها لمن شاء منهم ، ولا يستوجب ظلم الناس أن يغضب تعالى فيترك الاتصاف بالمغفرة من أصلها فلا يغفر لأحد ، وهذا يوجب تغيرا في بعض ما تقدم من نكت الآية غير أنه غير ظاهر من السياق.
وفي الآية مشاجرات بين المعتزلة وغيرهم من أهل السنة وهي مطلقة لا دليل على تقييدها بشيء إلا بما في قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ » الآية : النساء : ٤٨.
( بحث روائي )
في الدر المنثور ، أخرج ابن جرير عن ابن عباس : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى