فلما اتضح ذلك واستنار تمهدت الطريق لذكر شبه الكفار فيما يرجع إلى الأصول الثلاثة فأشار في هذه الآية إلى شبهتهم في البعث وسيتعرض لشبههم وأقاويلهم في الرسالة والتوحيد في الآيات التالية.
وشبهتهم في ذلك قولهم : « أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ » أورده بعنوان أنه عجب أحرى به أن يتعجب منه لظهور بطلانه وفساده ظهورا لا مسوغ لإنسان سليم العقل أن يرتاب فيه فلو تفوه به إنسان لكان من موارد العجب فقال : « وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ » إلخ.
ومعنى الجملة على ما يرشد إليه حذف متعلق « تَعْجَبْ » إن تحقق منك تعجب ولا محالة يتحقق لأن الإنسان لا يخلو منه ـ فقولهم هذا عجيب يجب أن يتعلق به تعجبك ، فالتركيب كناية عن وجوب التعجب من قولهم هذا لكونه قولا ظاهر البطلان لا يميل إليه ذو لب وحجى.
وقولهم : « أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ » مرادهم من التراب بقرينة السياق ما يصير إليه بدن الإنسان بعد الموت من صورة التراب وينعدم عند ذلك الإنسان الذي هو الهيكل اللحمي الخاص المركب من أعضاء خاصة المجهز بقوى مادية على زعمهم وكيف يشمل الخلقة أمرا منعدما من أصله فيعود مخلوقا جديدا؟.
ولشبهتهم هذه جهات مختلفة أجاب الله سبحانه في كلامه عن كل واحدة منها بما يناسبها ويحسم مادتها :
فمنها : استبعاد أن يستحيل التراب إنسانا سويا ، وقد أجيب عنه بأن إمكان استحالة المواد الأرضية منيا ثم المني علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة بدن إنسان سوي ووقوع ذلك بعد إمكانه لا يدع ريبا في جواز صيرورة التراب ثانيا إنسانا سويا قال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » الآية : الحج : ٥.
ومنها : استبعاد إيجاد الشيء بعد عدمه. وأجيب بأنه مثل الخلق الأول فليجز كما جاز قال تعالى : « وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا