ولما دخلوا « إلخ ».
وقوله : « آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ » فسروه بضمهما إليه ، وقوله : « وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ » إلخ. ظاهر في أن يوسف خرج من مصر لاستقبالهما وضمهما إليه هناك ثم عرض لهما دخول مصر إكراما وتأدبا وقد أبدع عليهالسلام في قوله : « إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ » حيث أعطاهم الأمن وأصدر لهم حكمه على سنة الملوك وقيد ذلك بمشية الله سبحانه للدلالة على أن المشية الإنسانية لا تؤثر أثرها كسائر الأسباب إلا إذا وافقت المشية الإلهية على ما هو مقتضى التوحيد الخالص ، وظاهر هذا السياق أنه لم يكن لهم الدخول والاستقرار في مصر إلا بجواز من ناحية الملك ، ولذا أعطاهم الأمن في مبتدإ الأمر.
وقد ذكر سبحانه « أَبَوَيْهِ » والمفسرون مختلفون في أنهما كانا والديه أباه وأمه حقيقة أو أنهما يعقوب وزوجه خالة يوسف بالبناء على أن أمه ماتت وهو صغير ، ولا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيد أحد المحتملين غير أن الظاهر من الأبوين هما الحقيقيان.
ومعنى الآية « فَلَمَّا دَخَلُوا » أي أبواه وإخوته وأهلهم « عَلى يُوسُفَ » وذلك في خارج مصر « آوى » وضم « إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ » لهم مؤمنا لهم « ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ».
قوله تعالى : « وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ » إلى آخر الآية ، العرش هو السرير العالي ويكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك ويختص به ، والخرور السقوط على الأرض والبدو البادية فإن يعقوب كان يسكن البادية.
وقوله : « وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ » أي رفع يوسف أبويه على عرش الملك الذي كان يجلس عليه ومقتضى الاعتبار وظاهر السياق أنهما رفعا على العرش بأمر من يوسف تصداه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله : « وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً » فإن الظاهر أن السجدة إنما وقعت لأول ما طلع عليهم يوسف فكأنهم دخلوا البيت واطمأن بهم المجلس ثم دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الإلهي المتلألئ من جماله البديع فلم يملكوا أنفسهم دون أن خروا له سجدا.
وقوله : « وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً » الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهو المسجود له ، وقول بعضهم : إن الضمير لله سبحانه نظرا إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ ، وقد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصة آدم والملائكة قال تعالى :