ومن هنا يظهر أن الاستثناء يفيد أنه كان من دين الملك أن يؤخذ المجرم بما يرضاه لنفسه من الجزاء وهو أشق ، وكان ذلك متداولا في كثير من السنن القومية وسياسات الملوك.
وقوله : « نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ » امتنان على يوسف عليهالسلام بما رفعه الله على إخوته ، وبيان لقوله : « كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ » وكان امتنانا عليه.
وفي قوله : « وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ » بيان أن العلم من الأمور التي لا يقف على حد ينتهي إليه بل كل ذي علم يمكن أن يفرض من هو أعلم منه.
وينبغي أن يعلم أن ظاهر قوله : « ذِي عِلْمٍ » هو العلم الطارئ على العالم الزائد على ذاته لما في لفظة « ذِي » من الدلالة على المصاحبة والمقارنة فالله سبحانه وعلمه الذي هو صفة ذاته عين ذاته ، وهو تعالى علم غير محدود كما أن وجوده أحدي غير محدود ، خارج بذاته عن إطلاق الكلام.
على أن الجملة « وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ » إنما تصدق فيما أمكن هناك فرض « فَوْقَ » والله سبحانه لا فوق له ولا تحت له ولا وراء لوجوده ولا حد لذاته ولا نهاية.
ولا يبعد أن يكون قوله : « وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ » إشارة إلى كونه تعالى فوق كل ذي علم بأن يكون المراد بعليم هو الله سبحانه أورد في هيئة النكرة صونا للسان عن تعريفه للتعظيم.
قوله تعالى : « قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ » إلى آخر الآية ، القائلون هم إخوة يوسف عليهالسلام لأبيه ، ولذلك نسبوا يوسف إلى أخيهم المتهم بالسرقة لأنهما كانا من أم واحدة ، والمعنى أنهم قالوا : إن يسرق هذا صواع الملك فليس ببعيد منه لأنه كان له أخ وقد تحققت السرقة منه من قبل فهما يتوارثان ذلك من ناحية أمهما ونحن مفارقوهما في الأم.
وفي هذا نوع تبرئة لأنفسهم من السرقة لكنه لا يخلو من تكذيب لما قالوه آنفا : « وَما كُنَّا سارِقِينَ » لأنهم كانوا ينفون به السرقة عن أبناء يعقوب جميعا وإلا لم يكن ينفعهم البتة فقولهم : « فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ » يناقضه وهو ظاهر. على أنهم أظهروا