فأخبروه وهم عشرة أنهم إخوة وأن لهم أخا آخر بقي عند أبيهم لا يفارقه أبوه ولا يرضى أن يفارقه لسفر أو غيره فأحب العزيز أن يأتوا به إليه فيراه.
قوله تعالى : « فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ » الكيل بمعنى المكيل وهو الطعام ، ولا تقربون أي لا تقربوني بدخول أرضي والحضور عندي للامتيار واشتراء الطعام. ومعنى الآية ظاهر ، وهو تهديد منه لهم لو خالفوا عن أمره كما تقدم.
قوله تعالى : « قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ » المراودة كما تقدم هي الرجوع في أمر مرة بعد مرة بالإلحاح أو الاستخدام ، ففي قولهم ليوسف عليهالسلام « سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ » دليل على أنهم قصوا عليه قصته أن أباهم يضن به ولا يرضى بمفارقته له ويأبى أن يبتعد منه لسفر أو أي غيبة ، وفي قولهم : « أَباهُ » ولم يقولوا : أبانا تأييد لذلك.
وقولهم : « وَإِنَّا لَفاعِلُونَ » أي فاعلون للإتيان به أو للمراودة لحملة معهم والإتيان به إليه ، ومعنى الآية ظاهر ، وفيه تقبل منهم لذلك في الجملة وتطييب لنفس يوسف عليهالسلام كما تقدم.
قوله تعالى : « وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » الفتيان جمع الفتى وهو الغلام ، وقال الراغب : البضاعة قطعة وافرة من المال يقتنى للتجارة يقال : أبضع بضاعة وابتضعها ، قال تعالى : « هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا » وقال تعالى : « بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ » والأصل في هذه الكلمة البضع ـ بفتح الباء ـ وهو جملة من اللحم يبضع أي يقطع ـ قال ـ وفلان بضعة مني أي جار مجرى بعض جسدي لقربه مني ـ قال ـ والبضع بالكسر المنقطع من العشرة ، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل : بل هو فوق الخمس ودون العشرة. انتهى ، والرحال جمع رحل وهو الوعاء والأثاث ، والانقلاب الرجوع.
ومعنى الآية : وقال يوسف عليهالسلام لغلمانه : اجعلوا مالهم وبضاعتهم التي قدموها ثمنا لما اشتروه من الطعام في أوعيتهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا ورجعوا إلى أهلهم ـ وفتحوا الأوعية ـ لعلهم يرجعون إلينا ويأتوا بأخيهم فإن ذلك يقع في قلوبهم ويطمعهم إلى الرجوع والتمتع من الإكرام والإحسان.