يحكم بينه وبين النسوة حكما بالقسط فتوصل به إلى قوله : « ائْتُونِي بِهِ أستخلصه لِنَفْسِي » وهذا أحسن تدبير يتصور لما كان يبتغيه من العزة في مصر وبسط العدل والإحسان في الأرض. مضافا إلى ما ظهر للملك وملئه في خلال هذه الأحوال من عظيم صبره وعزمه في الأمور وتحمله الأذى في جنب الحق وعلمه الغزير وحكمه القويم.
وإما الطعن في النبي صلىاللهعليهوآله وحاشاه أن يقول : إنه لو كان مكان يوسف طاش ولم يصبر مع الاعتراف بأن الحق كان معه في صبره ، وهو اعتراف بأن من شأنه أن لا يصبر فيما يجب الصبر فيه ، وحاشاه صلىاللهعليهوآله أن يأمر الناس بشيء وينسى نفسه ، وقد صبر وتحمل الأذى في جنب الله قبل الهجرة وبعدها من الناس حتى أثنى الله عليه بمثل قوله : « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ».
وفي الدر المنثور ، أيضا أخرج الحاكم في تاريخه وابن مردويه والديلمي عن أنس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قرأ هذه الآية : « ذلِكَ لِيَعْلَمَ ـ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » قال : لما قالها يوسف قال له جبريل : يا يوسف اذكر همك. قال : ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ).
أقول : وهذا المعنى مروي في عدة روايات بألفاظ متقاربة ففي رواية ابن عباس : لما قالها يوسف « فغمزه جبريل فقال : ولا حين هممت بها؟ » وفي رواية عن حكيم بن جابر : « فقال له جبريل : ولا حين حللت السراويل؟ » ونحو من ذلك في روايات أخر عن مجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك وابن زيد والسدي والحسن وابن جريح وأبي صالح وغيرهم.
وقد تقدم في البيان السابق أن هذه وأمثالها من موضوعات الأخبار مخالفة لنص الكتاب ، وحاشا مقام يوسف الصديق عليهالسلام أن يكذب بقوله : « لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » ثم يصلح ما أفسده بغمز من جبريل. قال في الكشاف ، : ولقد لفقت المبطلة روايات مصنوعة فزعموا أن يوسف حين قال : ( أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) قال له جبريل : ولا حين هممت بها؟ وقالت له امرأة العزيز : ولا حين حللت تكة سراويلك يا يوسف؟ وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسوله. انتهى.
وفي تفسير العياشي ، عن سماعة قال : سألته عن قول الله : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ » الآية يعني العزيز.