والكلام في فصل قوله : « قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ » نظير الكلام في قوله « قالَ ما خَطْبُكُنَ » وقوله : « قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ » فعند ذلك تكلمت امرأة العزيز وهي الأصل في هذه الفتنة واعترفت بذنبها وصدقت يوسف عليهالسلام فيما كان يدعيه من البراءة قالت : الآن حصحص ووضح الحق وهو أنه : أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فنسبت المراودة إلى نفسها وكذبت نفسها في اتهامه بالمراودة ، ولم تقنع بذلك بل برأته تبرئة كاملة أنه لم يراود ولا أجابها في مراودتها بالطاعة.
واتضحت بذلك براءته عليهالسلام من كل وجه ، وفي قول النسوة وقول امرأة العزيز جهات من التأكيد بالغة في ذلك كنفي السوء عنه بالنكرة في سياق النفي مع زيادة من : « ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ » مع كلمة التنزيه : « حاشَ لِلَّهِ » في قولهن ، واعترافها بالذنب في سياق الحصر : « أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ » وشهادتها بصدقه مؤكدة بأن واللام والجملة الاسمية : « وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ » وغير ذلك في قولها. وهذا ينفي عنه عليهالسلام كل سوء أعم من الفحشاء والمراودة لها وأي ميل ونزعة إليها وكذب وافتراء ، بنزاهه من حسن اختياره.
قوله تعالى : « ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ » من كلام يوسف عليهالسلام على ما يدل عليه السياق ، وكأنه قاله عن شهادة النسوة على براءة ساحته من كل سوء واعتراف امرأة العزيز بالذنب وشهادتها بصدقه وقضاء الملك ببراءته.
وحكاية القول كثير النظير في القرآن كقوله : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » : البقرة : ٢٨٥ أي قالوا لا نفرق « إلخ » ، وقوله : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » : الصافات : ١٦٦.
وعلى هذا فالإشارة بقوله : « ذلِكَ » إلى إرجاع الرسول إلى الملك وسؤاله القضاء ، والضمير في « لِيَعْلَمَ » و « لَمْ أَخُنْهُ » عائد إلى العزيز والمعنى إنما أرجعت الرسول إلى الملك وسألته أن يحقق الأمر ويقضي بالحق ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب بمراودة امرأته وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين.
يذكر عليهالسلام لما فعله من الإرجاع والسؤال غايتين :
أحدهما : أن يعلم العزيز أنه لم يخنه وتطيب نفسه منه ويزول عنها وعن أمره أي