غير الله شركاء له شفعاء عنده فلا دليل على ثبوت الشفاعة لهم من قبل الله سبحانه بل الدليل على خلافه فإن الله حكم من طريق العقل وبلسان أنبيائه أن لا يعبد إلا هو.
وبذلك يظهر فساد ما أورده البيضاوي في تفسيره تبعا للكشاف أن الآيتين تتضمنان دليلين على التوحيد فما في الأولى وهو قوله : « أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » دليل خطابي ، وما في الثانية وهو قوله : « ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً » إلخ برهان تام.
قال البيضاوي : وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة بين لهم أولا رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الإلهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنهما ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه. انتهى.
ولعل الذي حداه إلى ذلك ما في الآية الأولى من لفظة الخير فاستظهر منه الرجحان الخطابي ، وقد فاته ما فيها من قيد « الْواحِدُ الْقَهَّارُ » وقد عرفت تقرير ما تتضمنه الآيتان من البرهان ، وأن الذي ذكره من معنى الآية الثانية هو مدلول مجموع الآيتين دون الثانية فحسب.
وربما يقرر مدلول الآيتين برهانين على التوحيد بوجه آخر ملخصه أن الله الواحد الذي يقهر بقدرته الأسباب المتفرقة التي تفعل في الكون ويسوقها على تلائم آثارها المتفرقة المتنوعة بعضها مع بعض حتى ينتظم منها نظام واحد غير متناقض الأطراف كما هو المشهود من وحدة النظام وتوافق الأسباب خير من أرباب متفرقين تترشح منها لتفرقها ومضادتها أنظمة مختلفة وتدابير متضادة تؤدي إلى انفصام وحدة النظام الكوني وفساد التدبير الواحد العمومي.
ثم الآلهة المعبودة من دون الله أسماء لا دليل على وجود مسمياتها في الخارج بتسميتكم لا من جانب العقل ولا من جانب النقل لأن العقل لا يدل إلا على التوحيد والأنبياء لم يؤمروا من جهة الوحي إلا بأن لا يعبد إلا الله وحده. انتهى.
وهذا التقرير ـ كما ترى ـ ينزل الآية الأولى على معنى قوله تعالى « لَوْ كانَ فِيهِما