بينهما من حيث الفعل أو من حيث الأخذ بوجه فالخير منهما هو الذي يفضل على الآخر في صفة المطلوبية فيتعين الأخذ به فخير الفعلين هو المطلوب منهما الذي يتعين القيام به وخير الشيئين هو المطلوب منهما من جهة الأخذ به كخير المالين من جهة التمتع به وخير الدارين من جهة سكناها وخير الإنسانين من جهة مصاحبته ، وخير الرأيين من جهة الأخذ به ، وخير الإلهين من جهة عبادته ، ومن هنا ذكر أهل الأدب أن الخير في الأصل « أخير » أفعل تفضيل ، والحقيقة أنه صفة مشبهة تفيد بحسب المادة ما يفيده أفعل التفضيل من الفضل في القياس.
وبما مر يتبين أن قوله عليهالسلام : « أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » إلخ مسوق لبيان الحجة على تعينه تعالى للعبادة إذا فرض تردد الأمر بينه وبين سائر الأرباب التي تدعى من دون الله لا لبيان أنه تعالى هو الحق الموجود دون غيره من الأرباب أو أنه تعالى هو الإله الذي تنتهي إليه الأشياء بدءا وعودا دونها أو غير ذلك فإن الشيء إنما يسمى خيرا من جهة طلبه وتعيينه بالأخذ به بنحو فقوله عليهالسلام : أهو خير أم سائر الأرباب يريد به السؤال عن تعين أحد الطرفين من جهة الأخذ به والأخذ بالرب هو عبادته.
ثم إنه عليهالسلام سمى آلهتهم أربابا متفرقين لأنهم كانوا يعبدون الملائكة وهم عندهم صفات الله سبحانه أو تعينات ذاته المقدسة التي تستند إليها جهات الخير والسعادة في العالم فيفرقون بين الصفات بتنظيمها طولا وعرضا ويعبدون كلا بما يخصه من الشأن فهناك إله العلم وإله القدرة وإله السماء وإله الأرض وإله الحسن وإله الحب وإله الأمن والخصب وغير ذلك ، ويعبدون الجن وهم مبادئ الشر في العالم كالموت والفناء والفقر والقبح والألم والغم وغير ذلك ، ويعبدون أفرادا كالكملين من الأولياء والجبابرة من السلاطين والملوك وغيرهم ، وهم جميعا متفرقون من حيث أعيانهم ومن حيث أصنامهم والتماثيل المتخذة لهم المنصوبة للتوجه بها إليهم.
وقابل الأرباب المتفرقين بذكر الله عز اسمه ووصفه بالواحد القهار حيث قال : « أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » فالكلمة تفيد بحسب المعنى خلاف ما يفيده قوله : « أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ » لضرورة التقابل بين طرفي الترديد.
فالله علم بالغلبة يراد به الذات المقدسة الإلهية التي هي حقيقة لا سبيل للبطلان إليه