نعم هناك قوم زعموا أن الله سبحانه إنما يصرف الإنسان عن المعصية لا من طريق اختياره وإرادته بل من طريق منازعة الأسباب ومغالبتها بخلق إرادة أو إرسال ملك يقاوم إرادة الإنسان فيمنعها عن التأثير أو يغير مجراها ويحرفها إلى غير ما من طبع الإنسان أن يقصده كما يمنع الإنسان القوي الضعيف عما يريده من الفعل بحسب طبعه.
وبعض هؤلاء وإن كانوا من المجبرة لكن الأصل المشترك الذي يبتني عليه نظرهم هذا وأشباهه أنهم يرون أن حاجة الأشياء إلى البارئ الحق سبحانه إنما هي في حدوثها ، وأما في بقائها بعد ما وجدت فلا حاجة لها إليه فهو سبحانه سبب في عرض الأسباب إلا أنه لما كان أقدر وأقوى من كل شيء كان له أن يتصرف في الأشياء حال البقاء أي تصرف شاء من منع أو إطلاق وإحياء أو إماتة ومعافاة أو تمريض وتوسعة أو تقتير إلى غير ذلك بالقهر.
فإذا أراد الله سبحانه أن يصرف عبدا عن شر مثلا أرسل إليه ملكا ينازعه في مقتضى طبعه ويغير مجرى إرادته مثلا عن الشر إلى الخير أو أراد أن يضل عبدا لاستحقاقه ذلك سلط عليه إبليس فحوله من الخير إلى الشر وإن كان ذلك لا بمقدار يوجب الإجبار والاضطرار.
وهذا مدفوع بما نشاهده من أنفسنا في أعمال الخير والشر مشاهدة عيان أنه ليس هناك سبب آخر يغايرنا وينازعنا فيغلب علينا غير أنفسنا التي تعمل أعمالها عن شعور بها وإرادة مترتبة عليه قائمين بها فالذي يثبته السمع والعقل وراء نفوسنا من الأسباب كالملك والشيطان سبب طولي لا عرضي وهو ظاهر.
مضافا إلى أن المعارف القرآنية من التوحيد وما يرجع إليه يدفع هذا القول من أصله ، وقد تقدم شطر وافر من ذلك في تضاعيف الأبحاث السالفة.
( بحث روائي )
في المعاني ، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن السجاد عليهالسلام في حديث تقدم صدره في البحث الروائي السابق.